الاثنين، 2 نوفمبر 2015

مقرر : النظام التربوي في الإسلام (3)



مقرر : النظام التربوي في الإسلام (3)

2- المحتوى العلمي : ( المادة الدراسية ) :
     المحتوى العلمي عبارة عن المعارف أو المفاهيم أو الحقائق والأفكار التي يقع عليها الاختيار والتي يتم تنظيمها لتلائم مستويات المتعلمين .

     مع بدايات التعليم في النظام التربوي الإسلامي لم يكن هناك مقرر دراسي يقرره هذا النظام وإنما المعلم أو الشيخ يختار ما يراه مناسباً وحسب قناعته الشخصية وحسب تضلعه في المادة العلمية .

     يشترط في المحتوى العلمي أو الكتاب الدراسي  : مراعاة مستوى الأولاد ، ومراعاة الفروق الفردية ومراعاة استعدادات الطفل ونموه العقلي  ومراعاة الإعداد المهني .

     هناك أنواع من المقررات الدراسية في النظام التربوي الإسلامي مقرر الكتاب ، ومقرر تعليم العلوم ، ومقرر الجامعة الإسلامية ( أو الحوزة ) .

     كان معلمو الكتاتيب يتمتعون بحرية اختيار المواد الدراسية مثل تعليم القرآن الكريم والخط والحساب .

     لقد برز علماء من الإمامية وغيرهم في العلوم غير الشرعية في الأدب واللغة ظهر أبو الأسود الدؤلي والخليل بن احمد الفراهيدي والمازني والمبرد وابن السكيت وابن السكون ، وفي الفلسفة برز منهم الكندي وابن سينا والفارابي ، وفي علم الفلك والنجوم عبد الرحمن بن سبابة وفي الطب الحسن بن موسى النوبختي وأبان بن عثمان البجلي في الشعر والنسب ( فياض ، ص 220) 

العلوم  :
     العلوم الإجبارية : كالعلوم الشرعية والحديث والفقه والفلسفة .
     العلوم الاختيارية : اللغة العلوم الطبيعية والرياضيات .

     وينقل عن ابن سينا أنه  ذكر بعض المواد الدراسية التي كان يدرسها في سن الصبا قال لما بلغت سن التمييز سلمني أبي إلى معلم القرآن ثم إلى معلم الآداب ودرست كتاب الصفات وكتاب غريب المصنف ثم أدب الكتاب ثم إصلاح المنطق ثم كتاب العين ثم شعر الحماسة ( الملاحم والبطولات ) ثم ديوان ابن الرومي ثم تصريف المازيني ونحو سيبويه ثم شرعت في الفقه ثم شرعت في الطب ( فياض ، 156 ، نقلاً عن القزويني ، آثار البلاد وأخبار العباد ، ص299) 

     وفي عهد الفاطميين الذين حكموا مصر منذ القرن الرابع الهجري (358هج) وقاموا بإنشاء الجامع الأزهر وتولوا دراسة الفقه الإسماعيلي والأدب واللغة والشعر والطب وفي عهد المماليك اهتموا بعلوم التشريح والاسطرلاب والهندسة وعلم الحيوان والنبات والمعادن والتاريخ ( خفاجي ، ص 107)   

أهم الكتب والمقررات الدراسية في جامعة النجف :
     كتاب قطر الندى لابن هشام وشرح منظومة لابن مالك ومغني اللبيب لابن هشام وكلها في النحو وكتاب النظام في الصرف وحاشية الملا عبدالله الشارحة لمتن التفتازاني في المنطق وشرح المطول أو المختصر لسعد الدين في المعاني والبيان وكتاب الكفاية للعلامة الخراساني ورسائل الشيخ الأنصاري في الأصول وشرح اللمعة للشهيد العاملي وكتاب المكاسب للشيخ الأنصاري في الفقه  وكتاب الرجال لأبي علي في الرجال وكتاب الوسائل وكتاب البحار في الحديث والأخبار .

     وقاموس الفيروزآبادي وصحاح الجوهري في اللغة وكتاب خلاصة الحساب للشيخ البهائي وكتاب أشكال اقليدس في الهندسة وكتاب المجسطي في الهيئة ( الدجيلي ، ص 193 )

مراحل التعليم في جامعة النجف :
     في جامعة النجف حيث قسمت الدراسة إلى ثلاث مراحل تعليمية كل مرحلة لها المقررات الدراسية :

مقررات الدراسة في مرحلة المقدمات :

يدرس طالب العلم في النجف :
     النحو والصرف والبلاغة والمعاني والبيان والمنطق وأصول الفقه والفقه وعلم الكلام ، ومدة الدرس في هذه المرحلة 3-5 سنين .

في مرحلة السطوح :
     يدرس الطالب شرح اللمعة للشهيد الثاني والمكاسب للشيخ الأنصاري وكتاب رياض العلماء للسيد علي الطباطبائي وكتاب مسالك الإفهام للشهيد الثاني وكفاية الأصول للخراساني ودراسة للأصول مقارنة للسيد محمد تقي الحكيم إلى جانب دراسة علم الكلام والحكمة والفلسفة والتفسير والحديث وأحوال ( الرواة )  أو الرجال .

في مرحلة بحث الخارج :
     يحضر الطالب دروس كبار المجتهدين والفقهاء في الفقه والأصول ويتهيأ الطالب في هذه المرحلة الأخيرة الحصول على درجة الاجتهاد  ( الدجيلي ، ص 276)

     يعدد الدكتور حسن إبراهيم العلوم النقلية والعلوم العقلية التي تدرس في أماكن التعليم في العصر العباسي الثاني الممتد ما بين 447هج – 656 هج :

العلوم النقلية :
     علم القراءات والتفسير والحديث والفقه وعلم الكلام والنحو وعلم اللغة والأدب ( الشعر والنثر )

العلوم العقلية :
     الطب و الفلك والنجوم والرياضيات والفلسفة والتاريخ والجغرافيا ( تاريخ الإسلام ، حسن إبراهيم ، ج4 ، ص 420) 

     ذكر الدكتور علاء الدين القزويني بعض المقررات الدراسية في مؤسسات التعليم الشيعية غير المقررات التي ذكرت مثل علم غريب القرآن وعلم معاني القرآن وعلم أحكام القرآن وعلم غريب الحديث والفقه المقارن وعلم التاريخ والمغازي وعلم الجغرافيا وعلم الأخلاق والسلوك والشعر التعليمي وكان أبان بن عبدالحميد المتوفي 100هج أول من نظم فن الشعر التعليمي نظم فيه تاريخاً وفقهاً وقصصاً  والعلوم الكونية والمنهج العلمي التجريبي ، وبالنسبة لهذا الأمر الأخير يضيف السيد القزويني أن الشيعة أقدم الفرق الإسلامية التي اهتمت بالمنهج التجريبي منذ عهد الإمام الصادق –ع- وجاء بعده تلميذه جابربن حيان المتوفي 160 ةهج والذي وضع خطوات البحث العلمي وكان له معمل في بغداد يجري بحوثه فيه ( القزويني ، ص367)

     يتحدث الشيخ جواد مغنية عن تجربته الدراسية في النجف تحت عنوان : مراحل التعليم : التعليم في البلدان له ثلاث مراحل : ابتدائي وثانوي وتخصص، إلا في النجف فأنه مرحلتان : يدرس الطالب في الأول النحو والصرف والمنطق الارسطي والمعاني والبيان ، يحتاج الطالب إلى هذه المواد لفهم الفقه وأصوله ، لذا اطلقوا عليها " المقدمات " وتمتد الدراسة فيها ثلاث سنين .

     وينتقل الطالب إلى المرحلة الثانية وتمتد سبع سنين وتسمى " السطوح " ويدرس كتاب كفاية الأصول والرسائل ، ثم يحضر الطالب حلقات الاساتذة الكبار في الفقه والأصول ويسمى " بحث خارج "  ( تجارب محمد جواد مغنية ، بقلمه ، دار الجواد بيروت 1980 ص34) 

     طالب المصنف ( الدجيلي )  من خلال الشعر كبار العلماء في النجف على تطوير الدراسة في جامعة النجف على غرار ما حصل في جامعة الأزهر وذلك في عام 1952م ، وفي عام 1958 أدخلت بعض المقررات الدراسية في كلية الفقه مثل الفلسفة الحديثة والفقه المقارن وعلم الاجتماع وعلم النفس والأدب والعروض والتاريخ واللغة الانجليزية والمنطق والعقائد ( الدجيلي ، ص 482)

     وبسط السيد النجفي القوجاني الذي توفى قبل مائة ونصف سنة تقريباً في كتابه " سياحة في الشرق " الكتب التي يدرسها الطالب في حوزة " النجف ولا بأس بذكر بعضها :

     المكاسب والكفاية ومنظومة السبزواري والتجويد وأشعار المثنوي الرومي ومعراج السعادة للنراقي وكتاب العوامل في النحو لعبدالقادر الجرجاني والمطول في شرح تلخيص المفتاح في المعاني والبيان لجلال الدين القزويني ومعالم الدين وملاذ المجتهدين للحسن بن الشهيد الثاني وجامع المقدمات لجلال الدين السيوطي المتوفي 911هج وكتاب شرائع الإسلام لعلامة جعفر بن الحسن المعروف بالمحقق الحلي المتوفى 676هج وشرح اللمعة للشهيد الثاني المتوفى 965هج وكتاب اللمعة الدمشقية للشهيد الأول المتوفى 786هج والمغنى وشرح الطالع وشرح تجريد للقوشجي وكتاب الكفاية للآخوند كاظم الخراساني والقوانين والرسائل والإشارات لابن سينا وشرح كفاية الأصول للسيد النجفي القوجاني وكتاب علم الأصول للآخوند الخراساني وجواهر الكلام في شرح شرئع الإسلام لمحمد حسن باقر المتوفى 1266هج ومنظومة الملا الكاشي والعروة الثقى   للسيد كاظم اليزدي المتوفى 1337هج وكتاب الأسفار للملا صدرا وشرح المطالع في المنطق لقطب الدين محمد بن محمد الرازي البويهي ( سياحة في الشرق ، القوجاني النجفي )

     المقررات الدراسية في جامعة الأزهر شبيهة بالمقررات الدراسية في حوزة النجف ولكن مع بدايات القرن العشرين أدخلت مقرات جديدة غير شرعية منها الطب والتشريح والهندسة ، والآن جامعة الأزهر تدرس كل العلوم النقلية والإنسانية والعقلية والتكنولوجيا .

     ذكر الشهيد الثاني المتوفى في 965هج في ( منية المريد ، ص188) أقسام العلوم الشرعية الأصلية  التي يدرسها طالب العلم : علم الكلام وعلم الكتاب ( التجويد والقراءة والتفسير ) وعلم الحديث ( رواية ودراية) وعلم الفقه ، والعلوم الشرغية الفرعية : المنطق والنحو والصرف والمعاني والبيان وأصول الفقه والجرح والتعديل .

3- طرق التدريس :
     تتعدد طرق التدريس من حيث طريقة الشيخ أو المعلم وأسلوبه في التعليم ومن حيث اختلاف الزمان وتطور أساليب التعليم .

أهم طرق التدريس العامة :

طريقة تحفيظ القرآن :
     وتتم هذه الطريقة بطريقة التلقين والحفظ بهدف تحسين النطق والكلام ومخارج الحروف لدى المتعلم وتنمية ملكة الحفظ والاستظهار لديه .

طريقة المناظرة والحوار :
     وتتم بطريقتين : بين المعلم والمتعلم أو بين المتعلمين أنفسهم تحت إشراف المعلم وتسمى هذه الطريقة في العصر الحديث طريقة المناقشة والحوار ، وتهدف هذه الطريقة إلى تنمية وتقوية الحجة وسرعة التعبير أو التعبير عن الرأي وترتيب الأفكار وتنمية الثقة بالنفس لدى المتعلم .

طريقة المحاضرة :
     تعتمد هذه الطريقة على التلقين حيث كان تمكن المعلم أو الشيخ بمادته العلمية والفارق الكبير بين المعلم والمتعلم يجعل طريقة المحاضرة من أشهر طرق التدريس عند المسلمين ، ولو أن هذه الطريقة تتخللها المناقشة وعرض آراء ووجهات نظر علماء آخرين في مسألة ما ولكن كلام وآراء الشيخ تكون سائدة أثناء الدراسة .

التطبيقات العملية
     وقد يحتاج المعلم أحياناً ضرب أمثلة حية وعملية من واقع الحياة لتقريب المعنى والتعريف بتجارب الآخرين عملياً ، كذلك توجد شواهد عملية على أن الشيخ يحاول أن يدرب أحد طلبته بالتدريس أمامه ليكتسب خبرة وتجربة ميدانية ، وقد تستخدم التطبيقات العملية في العلوم التطبيقة الحديثة في مجال التربية العملية والميدانية لإعداد المعلم ( همشري ، ص 60)

     هناك طرق أخرى قد ذكرت عند الحديث عن طرق التدريس عند الإمامية وغيرهم وأهمها :

طريقة السماع من المعلم :
     أي أن يسمع المتعلم أو المتلقي من معلمه ليملي عليه وتشبه طريقة السماع من المعلم طريقة المحاضرة وهي إحدى طرق التدريس التقليدية ، من أمثلته  ما كتبه المفضل بن عمر من إملاء الإمام الصادق في التوحيد فألف كتابه " الأهليلجة " ، وتوجد إشارات عديدة من الشيخ الصدوق و الشيخ المفيد والشريف المرتضى في كتبهم المسماة ب " الأمالي " وهي عبارة عن مجالس وجلسات يملي الشيخ على طلبته من العلوم والفنون ، والمالي جمع إملاء وهو من وظائف العلماء قديما خصوصاً الحفاظ من أهل الحديث ، والشيخ النجاشي في رجاله يشير إلى طريقة السماع من مثل : " سمعت عنه كتباً عدة منها " .

     وهذه الطريقة من أكثر الطرق انتشاراً في مجال علم الحديث والرجال عند المسلمين .

     اشتهرت كتب الأمالي عند علماء الإمامية مثل امالي الشيخ الصدوق المتوفى 381هج ويتكون كتابه من 97 مجلساً بدأ أول مجلس درس له في 367هج شهر رجب ، وأمالي الشيخ المفيد المتوفى 413هج ويتكون من 42 مجلساً بدا مجلسه الأول في بداية شهر رمضان سنة 404هج في بغداد في منزل ضمرة أبي الحسن علي بن محمد ابن عبدالرحمن الفارسي وانهى مجالسه في سنة 411هج .

     وأمالي الشريف المرتضى المتوفى  436هج ويتكون الجزء الأول من كتابه 48 مجلساً والجزء الثاني يبدأ من مجلس 49 إلى مجلس 80 وهذه المجالس مقتصرة في تفسير آيات من الذكر الحكيم ، وأمالي الشيخ الطوسي المتوفى 460هج ويتكون كتابه من قسمي الأول عبارة عن أجزاء تشتمل على 18 جزءاً يبدأ أول جزء في 455هج والقسم الثاني يتكون من مجالس يبدأ المجلس الأول في يوم الجمعة في محرم 457هج وآخر مجلس يوم التروية سنة 458هج .

طريقة القراءة على الشيخ أو العرض :
     هذه الطريقة تساعد الشيخ على فهم درجة تقدم المتعلم في علم ما ، وطريقة العرض تختلف عن طريقة القراءة أي قراءة المتعلم على المعلم وما دونه وكتبه من دروس أستاذه ، أو قراءة كتاب ما على الشيخ ليس له ليتأكد الشيخ أن ما فيه من الروايات أو الحقائق صحيحة ، وهذا يعني أن للشيخ دور في اختيار المحتوى العلمي أو المقرر الدراسي المناسب لطلبته ، بينما طريقة العرض هو ما كتبه على شيخه كما روى عن عبيد بن محمد بن قيس البجلي عن أبيه قال : عرضنا هذا الكتاب على أبي جعفر محمد بن علي الباقر –ع- فقال الإمام : هذا قول أمير المؤمنين أنه كان يقول إذا صلى قال في أول الصلاة ..( فياض ، 230 ، نقلاً عن الفهرست ، الطوسي ، ص134) ، أقول لعل طريقة العرض تشبه طريقة إعداد البحث أ والدراسة عن موضوع ما ، وهذه الطريقة من أهم طرق التعلم الذاتي ،و يمكن أن تشبه طريقة عرض أطروحة الماجستير أو الدكتوراه ، وهذا يعني أيضا أن النظام التربوي في الإسلام لا يعتمد فقط على إلقاء الشيخ أو إملائه على طلابه وهم سكوت وإنما للطالب دور في العملية التعليمية والتعليمية .

طريقة المكاتبة :
     أن يكتب الشيخ لتلميذه طرق نقل الحديث أو الرواية أثناء غياب المتعلم أو في حضوره ، وقد تصطحب كتابة الشيخ عبارة الإجازة أي يقول له أجزيت لك ما كتبه لك أو ما كتبت به إليك أن تروي عني ، ومن أمثلة طريقة المكاتبة كتب " المسائل " وقد تكون كتب المسائل عبارة عن أجوبة لمسائل أرسلها الطالب أو المتعلم مباشرة إلى الشيخ أو أحد أئمة أهل البيت –ع- وهو بعيد عنه فيجمع المتعلم هذه الأجوبة في كتاب وقد استعرض الشيخ النجاشي في " الرجال " أمثلة لأسماء الموالين الذي ألفوا كتب المسائل ، مثل كتاب الحلبي في المسائل عن الإمام الصادق وكتاب زكريا بن آدم الذي كان من أصحاب الإمام الكاظم –ع- وكتاب محمد بن أبي عمير وهو من أصحاب الإمام الرضا –ع- ،  أقول وتشبه هذه الطريقة طريقة التعلم عن البعد وهي من طرق أساليب التعلم سواء باستخدام شبكة الانترنت أو الانتساب إلى إحدى الجامعات عن طريق المراسلة .

طريقة الإجازة :
     في اللغة الإجازة من جاز وأجاز له أي أذن له ( الفيروزآبادي ، القاموس المحيط ، مادة جاز ) ، وتعد الإجازة طريقة من طرق نقل الحديث أو الأذن له برواية الحديث من شيخ إلى شيخ إلى أن يصل إلى المعصوم –ع- ، وقد تكون الإجازة بالمشافهة أو الإجازة التحريرية ( كتابة ) .

     ويستفاد من هذه الطريقة أنها من التقاليد التي يمتاز بها النظام التربوي عند المسلمين وهناك من علماء السنة من كتب في الإجازة وشروط صحتها ومنحها وهو ابن الصلاح المتوفى 643هج في كتابه " علوم الحديث " ( فياض ، ص 236) .

أسلوب الدراسة في حوزة النجف :
     نظام الحلقات هو النظام التقليدي السائد في الجامعات الإسلامية ومنها جامعة النجف والأزهر ، وينقل عن السيد محسن الأمين أنه ذكر أن طريقة التدريس نوعان : تدريس السطوح وهو القراءة من الكتاب من قبل الأستاذ ثم يشرح النقاط المطلوبة لطلبته خاصة في إبداء رأيه أو اعتراضه على بعض  ، وفي هذه المرحلة يدرس الطلاب النحو والصرف والبيان والمنطق والأصول والفقه في كتب مخصوصة .

     تدريس الخارج أي الخارج عن الكتاب وهو إلقاء الدرس بدون كتاب خاصة في الفقه والأصول لنيل درجة الاجتهاد ،  ويحضر من أنهى مرحلة السطوح ، ويلقي الشيخ مسائل أصول الفقه واحدة بعد أخرى ويذكر أقوال العلماء فيها وحججهم ثم يفندها وقد يناقشه طلابه في آرائه وهكذا حتى ينتهي من مسائل الباب الذي بدأ به وينتقل إلى باب آخر .

     توجد طرق أخرى للتدريس تتشابه مع الطرق السابقة وتختلف حسب رأي الباحث الذي يتناول هذه الطرق :

طريقة المناظرة :
     وتهدف إلى التمرن على سرعة التعبير وترتيب الأفكار وتنمية القدرات العقلية ، أشهر هذه الطريقة المناظرة بين هشام بن الحكم تلميذ الإمام الصادق –ع- وبين عمرو بن عبيد المعتزلي .

طريقة الدعاء :
     ما تركه النبي والأئمة الأطهار من أدعية كأسلوب تعليمي أخلاقي .

طريقة الإملاء :
     كما بالنسبة لكتب الأمالي التي صنفها علماء الشيعة والسنة .

طريقة الوعظ والإرشاد .

طريقة الرسائل :
     حيث يرسل المتعلم مسائل ( أسئلة ) ليجيب عنها الشيخ وهو ما يسمى بكتب " المسائل " عند السيد المرتضى والشيخ الطوسي " مسألة تحريم الفقاع " للشيخ الطوسي .

التعليم عن طريق الكتب :
     وذلك لأهمية الكتاب عند انتشار الجهل بين الناس ودور العالم في التصدي للجهل .

طريق الأسئلة والمذاكرة ( القزويني ، ص 214) 

طريقة التدريس في مدارس النجف :
     توجد طريقتان :

طريقة التحليل :
     حيث يتناول الشيخ موضوع ويجزئه إلى أسام ثم يتناول كل قسم ويحلله إلى أجزاء أيضا وهكذا يقسم ويحلل ويجزيء حتى يصل إلى أدق تلك الأقسام ويبحث في الأسباب والعلاقات والمعاني والألفاظ .

طريقة التفسير والشرح :
     حيث يشرع الشيخ في عرض القضية مع تفسيرها وشرحها من جميع الوجوه ثم يختار الوجه الذي يميل إليه .

     ويتخلل هاتان الطريقتان الحوار وهو عبارة عن طرح الأسئلة على الطرف المقابل ( المفروض) ( الدجيلي ، ص187)

     يظهر أن الشيخ محمد كاظم الخراساني المشهور بـ ( الآخوند )  أول من اخترع طريقة حديثة للتدريس في حوزة النجف كما نقل عن الشيخ عبدالعزيز الجواهري محقق كتاب ديوان السيد الحبوبي في مقدمته ص9 : إن أول مخترع للطريقة الحديثة بالتدريس الشيخ محمد كاظم الخراساني فقد هذب علمي : الأصول والفقه من التطويل والزيادات وجعل الطالب المجد يحصل في أربع سنين ما كان يحصله بانقضاء عمره الطبيعي ( القوجاني ، ص 193)   

طريقة تعليم بالأقران :
     أن يعلم الطالب النابه والفطن زميله الذي يحتاج إلى من يشرحه المادة .

طريقة المناوبة :
     أو " التناوب " عبارة عن المذاكرة اليومية بين طالبين أو أكثر يقوم كل واحد منهم بتدريس جزء أو موضوع كتاب في يوم ثم يدرس طالب آخر جزء آخر من الكتاب في يوم ثان وهكذا .

4- الأساليب والأنشطة والخبرات :
     الأساليب هي الإجراءات التي يتبعها المعلم في تنفيذ طريقة من طرق التدريس من أجل الوصول إلى الأهداف المنشودة وقد تسمى بأساليب التعلم .

     والنشاط هو جهد عقلي وبدني يبذله المتعلم بهدف تحقيق هدف معين من أهداف الدرس والنشاط يقوي العلاقة بين المتعلمين إذا ما كان النشاطي جماعياً وينمي روح التعاون والتنافس ، ويساعد المعلم على كشف الميول والمواهب في المتعلمين .

     والخبرة عبارة عملية التفاعل بين المتعلم وبين الظروف الخارجية في البيئة ، وتنمي الخبرة التعلم الذاتي لدى المتعلم ( همشري ، ص 248) 

     تعددت الأساليب والأنشطة المصاحبة للمحتوى العلمي النظري في النظام التربوي الإسلامي :

الرحلات :
     وقد كانت الرحلة أو السفر في طلب الحديث من أهم هذه الأنشطة التعليمية وأن في الرحلات يزيد طالب العلم تجاربه ويكتسب معارف جديدة من خلال المشاهدة والتعرف على مظاهر الطبيعة واكتساب الخبرات العملية والحسية ، وقد صنفت كتب في الرحلات مثل رحلة ابن بطوطة ورحلة ابن جبير .

     والاهتمام بالرياضة البدنية لأنها الوسيلة التي تساعد العقل على التعلم وتصح البدن من المرض ، وقد جعل التربويون فترة الراحة والبعد عن العلوم النظرية من خلال ممارسة الألعاب مع عدم إرهاق البدن بالألعاب العنيفة .

التعليم الفردي وتفريد التعليم :
     كان في أحيان عديدة يهتم المعلم والشيخ بالمتعلم النابه أو الطفل الموهوب والنابغ قد يخصص له وقتاً آخر ويعطيه من المعلومات التي يراها مناسبة لمستواه العقلي .

     هذا وقد أدخلت أساليب تعلم جديدة كما في جامعة الأزهر بعد تطور مناهجها الدراسية .

     وتوجد أساليب أخرى لكن تحتوي أيضا طرق التدريس كما أشار إليها فؤاد الشلهوب من مثل : تهيئة المتعلم قبل الدرس ( الانصات )والاتصال السمعي كالسرد والشرحوعدم التشوق في الكلام و الالقاء والسكوت قجأة ، والاتصال البصري إدامة الاتصال البصري بين المعلم والمتعلم واستخدام تعابير الوجه ( احمرار الوجه حال الغضب والابتسامة حال الرضا ) وحركة اليدين والرأس ، واستخدام الأسلوب العملي والتطبيقي كأداء الوضوء والصلاة ومراعاة الفروق الفردية للمتعلمين وأسلوب المحاورة وأسلوب القصة وضرب الأمثلة لتقريب المعنى واستخدام الرسومات والأشكال وأسلوب التكرار وأسلوب تقسيم الموضوع إلى جمل وفقرات وأسلوب طرح الأسئلة والاستفهام والتعليق على إجابة المتعلم ( كتاب المعلم الأول ) .

5- الوسائل التعليمية :
     استخدام الأمثلة الحسية في التعليم خاصة للمرحلة الأولى منه ذلك أن الطفل يتعلم بواسطة الحواس المادية كما يقول ابن خلدون في مقدمته ( همشري ، ص60) 

     لم يذكر التربويون وسائل تعليمية في النظام التربوي الإسلامي لكن يفهم أن المعلم يستعين بالمقرر الدراسي  أو بكتابه أو مصنفه كوسيلة تعليمية ، وأيضا كان الأئمة من يستعين بصحيفة أمير المؤمنين أو الجفر ومصحف فاطمة والجامعة ( الكافي ، ج1 ، كتاب الحجة ، باب فيه ذكر الصحيفة ، ص294) وهناك إشارات مختصرة عن استخدام لوحة أو سبورة يستعين بها الشيخ أو المتعلم بالكتابة عليها كما في نظام الكتاتيب ( أو نظام الكتاب )
 
6- التقويم 
     التقويم هو إصدار حكم على ظاهرة تعليمية تحصيلية أو عملية تشخيصية وعلاجية لمعرفة مدى تقدم المتعلم في تحقيق الأهداف ( همشري ، ص249)

     لم يعرف النظام التربوي الإسلامي في السابق نظام التقويم أو ما يعرف بالامتحان ( ورقة وقلم ) لكن لم يمنع أن الشيخ كان يمتحن أو يقيم طلابه شفوياً ، مثل طريقة المناظرة ، إذ أن الشيخ أو المعلم يناقش طلبته في موضوعات مادته ويحصل الطالب في حال تقدمه على " الإجازة " او ما يعرف بالشهادة العلمية المعروفة الآن ، والإجازة نوع وشكل من أشكال نقل الحديث والرواية عن الشيخ ، أي أن المتعلم أو الطالب وصل إلى درجة من العلم يستطيع أن يروي الرواية ، وهناك نوعان من الإجازة الشفهية وهي أن يعلن الشيخ أن فلان يروي عني كما نقل عن الصادق –ع- أنه قال بحق أبان بن تغلب فأنه سمع مني حديثاً كثيراً فما روى عني فاروه عني  ( رجال النجاشي ، ص7) والإجازة التحريرية كما قال النجاشي أن أحمد ابن عبدالله الوراق دفع إلى شيخ عبدالسلام بن الحسين البصري كتاباً بخطه قد أجاز له فيه جميع روايته ( رجال النجاشي ، ص 62) ، هذا ونظام الإجازة بأنواعها كان سائداً عند العلماء من الشيعة والسنة ، وقد يمنح العالم " إجازات " من عدة شيوخ في مجال الفقه أو الأصول أو الحديث .

     أدخل نظام الاختبارات التحريرية في بعض كلية الشريعة التابعة لجامعة بغداد وجامعة الأزهر في القرن العشرين بعد تطور حركة التعليم فيها .

أنواع تقويم الطالب  :
     تطبق أنواع التقويم  غالباً في المدارس الحديثة ولكن يفهم أن بعضها تطبق في أماكن التعليم في النظام التربوي الإسلامي ، وهذه الأنواع هي :

تقويم تشخيصي :
     يقوم به المعلم قبل بداية الدرس ليعرف مستوى المتعلم وما يحتاج من المعلومات .

تقويم تكويني :
     يستخدمه المعلم بين فترة وأخرى لمعرفة تقدم المتعلم خاصة وهو يشرح موضوعات المقرر الدراسي بشكل تدريجي ولا ينتقل من موضوع إلى آخر إلا أن يعرف أن طلبته قد عرفوا الموضوع السابق  

تقويم شامل :
     للحكم النهائي على مستوى التحصيل لدى المتعلمين ( ص246 ، مدخل إلى التربية ، همشري ) حيث يمنح المتعلم " إجازة " من شيخه وهي ما تسمى بالشهادة العلمية الآن .

     وقد يتمثل التقويم بالتغذية الراجعة التي تمثل الآلية المنهجية في إدخال التغيرات والتعديلات على عناصر المنهج كلها ، بحيث يبقى المنهج في حالة تحديث دائم ، بفضل عمليات التقويم المنهجية التي تقدم تغذية راجعة لتطوير عناصر المنهج أولاً بأول فيظل المنهج متجددا في سياق الحاجات الإنسانية والاجتماعية والثقافية والمعرفية والمتغيرات التي تفرض نفسها على المناهج التعليمية .

     وتقويم عناصر المنهج من أجل تطويرها .

رابعاً : المعلمون:
     المعلم من أهم مكونات النظام التربوي في الإسلام وكان يعد مهنة التعليم والتدريس من أقدس المهن وهي شبيهة بمهنة الأنبياء والأوصياء –ع-  ، وكان إعداد المعلم في السابق لا يتطلب سوى التزكية من أستاذه أو شيخه وإجازته على الرواية عنه .

     لكن في العصور الحديثة والمعاصرة فإن إعداد المعلم يتطلب جهوداً كبيرة وبرامج تدريبية وتدريب عملي وتطبيقي مستمر قبل التخرج .

     هذا وذكر ابن قتيبة في كتابه " المعارف " أسماء (19) معلماً منهم الكميت بن زيد  وكان يعلم الصبيان في مسجد الكوفة والحجاج بن يوسف الثقفي وكان اسمه كليب وكان أبوه معلماً وكان الحجاج يعلم الصبيان في الطائف ، وعلقمة بن أبي علقمة وكان مولى عائشة وقد روى عنه مالك بن أنس ، وكان له مكتب يعلم اللغة العربية والنحو والعروض ومات في أيام المنصور العباسي ( المعارف ، ابن قتيبة ، ص124) 

     وقد اشترط بعض الصفات الجسمية للمعلم في السابق كأن يكون حسن القد واضح الجبين واسع الجبهة وصفات خلقية كأن يكون عادلاً عفيفاً فاضلاً وصفات عقلية كأن يكون راجح العقل حاد الفهم واسع الثقافة وصفات علمية كأن يكون ملماً بفن التدريس ومتعمقاً بمادته .

     في العصر الحديث تسمى هذه الصفات بكفايات أو مهارات وقدرات مثل الشخصية ومعاييرها الاتزان الانفعالي والصحة العقلية والمظهر الشخصي والحيوية والنشاط الاستقامة والأمانة والتكيف مع الظروف ومع الناس والتعاون أو السلوك الاجتماعي  ونبرات الصوت والحديث والقيادة و القدرة على التصرف   ( المفتي ، ص106 )

     ذكر الشهيد الثاني ( منية المريد ، ص41) بعض صفات الشيخ والعالم مثل إخلاص  النية وطلب حقيقة العبودية في النفس وعدم التقصير في العمل وترك الغرور واستعمال العلم في نشر مكارم الأخلاق وحسن الخلق مع المتعلم والتواضع والاجتهاد في إعداد الدرس وحضور مجلس العلم بالطهر ( الوضوء) وبذل العلم لأهله ومستحقيه وعدم الاشتغال بالتدريس حتى تكتمل أهليته ويرغب المتعلم في طلب العلم وان يختبر أفهام المتعلمين ويظهر فضل الفاضل وألا يظهر تفضيل بعضهم على بعض وتعريف بمن انهى تعلمه إلى الناس ليعرفوه ويأخذوا العلم منه .
 
وهناك صفات عامة يجب أن يتحلى بها المعلم المسلم :
- العلم الشرعي والعلوم المتعلقة بطبيعة النفس الإنسانية ومراحل نموالطفل ، لأن لكل طالب مرحلة قدرات واستعدادات نفسية وجسدية، وعلى حسب تلك القدرات يختار المربي وسائل زرع العقيدة والقيم وحماية الفطرة السليمة في نفوس المتعلمين .

- الأمانة : وتشمل كل الأوامر والنواهي التي تضمنها الشرع في العبادات والمعاملات  ومن مظاهر الأمانة: أن يكون المربي حريصاً على أداء العبادات، آمراً بها أولاده، ملتزماً بالشرع في شكله الظاهر وفي الباطن، فيكون قدوة في بيته ومجتمعه، متحلياً بالأمانة، يسلكُ في حياته سلوكاً حسناً وخُلُقا فاضلا مع القريب والبعيد في كل حال وفي كل مكان .

- القوة : أمر شامل فهي تفوق جسدي وعقلي وأخلاقي ، وكثير من الآباء يتيسر لهم تربية أولادهم في السنوات الأولى، لأن شخصياتهم أكبر من شخصيات أولادهم   ولكن قليل أولئك الآباء الذين يظلون أكبر وأقوى من أبنائهم ولو كبروا .

- العدل : أن يعدل المعلم في اهتمامه ورعايته بين تلاميذه ، وقد نبه نبي الرحمة والعدل أحد الصحابة بعد ان قبل ابنه ولم يقبل ابنته قائلاً له:   ألا سويت بينَهما  وفي رواية:  فما عدلت بينهما ( تربية الأولاد في الإسلام ،  نقلاً عن ابن عدي في الضعفاء ، ج4 ، حديث 1067 )

- الحرص : إحساس متوقد يحمل المربي على تربية الأولاد  ولو تكبد الصعاب ، ويتطلب الأمر الدعاء لهم والمتابعة .

- الحزم : وبه قوام التربية، والحازم هو الذي يضع الأمور في مواضعها، فلا يتساهل في حال تستوجب الشدة ولا يتشدد في حال تستوجب اللين والرفق .

وضابط الحزم: أن يلزم الولد بما يحفظ دينه وعقله وبدنه وماله، وأن يحول بينه وبين ما يضره في دينه ودنياه، وأن يلزمه التقاليد الاجتماعية المرعية في بلده ما لم تعارض الشرع. قال ابن الجوزي  -: "فإنك إن رحمت بكاءه لم تقدر على فطامه، ولم يمكنك تأديبه، فيبلغ جاهلاً فقيراً.(الجريبة ، ص 6 ،  نقلاً عن صيد الخاطر: ابن الجوزي: ص 540)

- الصدق : وهو "التزام الحقيقة قولاً وعملاً"، والصادق بعيد عن الرياء في العبادات، والفسق في المعاملات، وإخلاف الوعد وشهادة الزور، وخيانة الأمانات .

والحكمة : وهي وضع كل شيء في موضع، أو بمعنى آخر: تحكيم العقل وضبط الانفعال، ولا يكفي أن يكون قادراً على ضبط الانفعال واتباع الأساليب التربوية الناجحة فحسب، بل لابد من استقرار المنهج التربوي المتبع بين أفراد البيت من أم وأب وجد وجدة وإخوان وبين البيت والمدرسة والشارع والمسجد وغيرها من الأماكن التي يرتادها؛ لأن التناقض سيعرض الطفل لمشكلات نفسية .

تحديات تواجه المعلم اليوم :

في التفكير :
     بدلاً من التلقين والحفظ ، الاتجاه إلى اعطاء الطالب دور البحث عن المعلومعات ، كيف ؟

ثورة المعلومات :
     مواكبة عصر المعلومات ، الاستفادة من الانترنت .

التعايش وقبول الآخر :
     الدعوة إلى الإسلام ونشره في ربوع الأرض .

     الانخراط بالتعليم واجب شرعي وديني كيف ؟

إعداد المعلم :
     يختلف إعداد المعلم من معلم إلى آخر من عصر إلى عصر ، في الوقت الحاضر يلتحق المعلم في كليات إعداد المعلم ويدرس مقررات نظرية منها تربوية ويخضع إلى تدريب ميداني تختلف فترة تدريبه من دولة إلى أخرى ، وبعد انخراط المعلم في الخدمة يخضع إلى عملية التقويم لمعرفة مدى تمكنه من مادته العلمية وكيفية تفاعله مع طلبته ومدى تجديد معلوماته ، وأهم معايير تقويم المعلم : الشخصية و التخطيط للدرس وسلوك المعلم وتفاعله مع طلبته وإدارة الفصل وإدارة الوقت ووالنشطة المصاحبة والتنمية الذاتية وتنوع أساليب تقويم طلبته ( الكيلاني وملحم ، ص177)   ، في النظام التربوي الإسلامي قد يختبر المعلم لكي يعين مؤدباً لأولاد الخليفة إذ يطلب خليفة من عالم معروف ومقرب إلى البلاط اختبار علوم وثقافة المعلم خاصة لمن يتعرض إلى تأديب أولاد الخليفة وقد نقل أن الخليفة الواثق العباسي ( 227-232هج )  طلب من أبي عثمان بكر المازني النحوي ( الشيعي ) أن يمتحن بعض المعلمين الذين تقدموا للعمل عند السلطان ( معجم الأدباء ، ياقوت ، ج7 ص115)  ، وتقع مسئولية إعداد المعلم على نفسه ، لذا كان النظام التربوي الإسلامي حراً ويقوم على جهود الأفراد خاصة في القرون الأربعة الأولى من الهجرة النبوية الشريفة ، وبعد إنشاء المؤسسات التعليمية مثل المدارس فأن إعداد المعلمين يتم بواسطة الاتصال الشخصي بين المتعلم بالمعلم خاصة عند الإمامية ، فيجد المتعلم للمعلم الأهلية والكفاءة لتعليم العلوم ، كما يفهم من الإجازات ( الشهادات ) التي يمنحها المعلم للمتعلمين يتم بطريقة شخصية ولم تكن صادرة من مؤسسة علمية ، وهناك تعدد للإجازات التي يحصل عليها المتعلم من عدة الشيوخ وفي عدة أماكن ، وعلى سبيل المثال حصل التلعكبري المتوفى 385هج وهو من علماء الإمامية على (20) إجازة علمية ( شهادة ) من شيوخ متعددين ( ص155 فياض ، نقلاً عن طيباوي ، فلسفة التربية الإسلامية ، ص81)    

وتوجد نصائح تربوية عامة للمعلم  :
     وجود فرصة أو فترة راحة بين الدروس لكي يرتاح الصبي .
     عدم إرهاق المتعلم فوق طاقته .
     التعامل مع الصبيان برفق ولين .
     وإيفاء ما يوعد المعلم للصبيان .

 أصناف المعلمين  :

معلمو الكتاتيب :
     ظهر نظام الكتاب قبل الإسلام إذ توجد إشارات إلى تعلم بعض الصحابة في هذا النظام ، ولكن نظام الكتاب تطور مع ظهور الإسلام وانتشاره في ربوع الأرض ولعل من أسباب انتشاره أن الإسلام دين علم وتعلم ولمن يطلب العلم ويتصدى له له الأجر ، وقد تصدى لتعليم الأولاد بعض من يجد في نفسه الأهلية العلمية لتدريس هؤلاء الصبية .

     في الغالب معلم الكتاب لم يكن بمكانة العالم ولعل ذلك يرجع إلى قلة ثقافته وأن تعليمه للصغار لا يتطلب منه سوى تعليم مباديء الكتابة والقراءة والحساب، بل ويحقره بعض مثل الجاحظ عندما ينتقد أحداً يقول أحمق من معلم كتاب ( فياض ، ص112 ، نقلاً عن البيان والتبيين ج1 ، ص248) ويرى أبن خلدون أن بعضاً يحتقر مهنة التعليم لأنها لا تلائم منزلتهم الاجتماعية فقال شمخت أنوف المترفين وأهل السلطان عن التصدي للتعليم واختص انتحاله بالمستضعقين ( فياض ، ص115، نقلاً عن المقدمة ، ص30 ) ، ولعل ذلك يرجع إلى نظرة خلفاء وكبار شخصيات الدولة إلى مهنة معلم الكتاب أهي نظرة احترام أم نظرة احتقار ؟ خاصة إذا كانت هذه المهنة ليست من المهن التي تدر على صاحبها الأموال ، ثم أن هذه النظرة كانت مؤقتة على الرغم من هذه الأسباب فأن مهنة التعليم من المهن المكملة لرسالة الإسلام ، لذا لم يأخذ المعلم الأجر على مهنته في العموم ، وقد روي عن أمير المؤمنين أنه كان يبغض معلماً لأنه يأخذ الأجر من تعليم القرآن ، وقد يباح أخذ الأجر من غير تعليم القرآن كتعليم الخط والحساب وكتابة الرسائل ( فياض ، ص118 ، نقلاً عن الاستبصار ، الطوسي ج3 ،ص65 ، ومن لا يحضره الفقيه الصدوق ج3 ص99) ، مع بعد المسلمين وبالذات معلمي الكتاب عن العصور الأولى للإسلام أصبحت مهنة التعليم من موارد رزق معلم الكتاب الذي جعل منزله مكان تعليم صبيان الحي في الغالب ، ويقضي جل وقته مع الأطفال ، لكن بعض الأطفال الفقراء والييتامى لما لم يستطعوا الانخراط في هذه الكتاتيب ، فأن بعض الأغنياء فتح كتاتيب بالمجان لتعليم هؤلاء الأطفال والمحتاجين واليتامى ( حضارة العراق ج8 ، ص 26 )   

     هذا هناك من يساعد معلم الكتاب يسمى " نقيب " يرتب الأطفال حسب ذكائهم وفهمهم وينبه الغافلين منهم ويأمرهم بحسن الاستماع وتلقين الأطفال ما حفظوا ( حضارة العراق ، ج 8 ، ص25)  

المؤدبون ( في القصر ) :
     وهم معلمون خصوصيون لأولاد الخلفاء والوزراء وكبار شخصيات الدولة ، وكانوا على ثقافة عالية وشهرة علمية منهم أبو الأسود الدؤلي يعلم أولاد ابن زياد والكسائي مؤدب الأمين والمأمون وابن أبي الدنيا مؤدب المكتفي والشيخ المفيد كان يعلم الأخوين السيدين  المرتضى والرضي كذلك نقل أن السيرافي النحوي مؤدب الشريف الرضي  ( فياض ، ص107)   

     هذا وأوصى هارون الرشيد العباسي أحد المؤدبين وهو علي ابن المبارك الأحمر  لابنه الأمين  بالقول : " قد دفع إليك مهجة قلبه وثمرة قلبه ... اقرأه القرآن وعرفه الأخبار وروه الأشعار وعلمه السنن وبصره بمواقع الكلام وامنعه من الضحك إلا في أوقاته وخذه بتعظيم مشايخ بني هاشم إذا دخلوا عليه ورفع مجالس القواد إذا حصروا مجلسه وقومه ما استطعت بالقرب والملاينة فإن أباهما فعليك بالشدة والغلظة ( حضارة العراق ج8 ، ص28)  

معلمو المساجد والمدارس :
     كان الفقهاء في صدر الإسلام الأول يتخذون مسجد النبي ( ص) وغيره من المساجد أماكن للموعظة وإدارة حلقات الدرس في تفسير القرآن والحديث والفقه وكان الأئمة علي والحسن والحسين –ع-  اتخذوا مسجد النبي (ص) مركز تعليم ووعظ ولما انتقل أمير المؤمنين إلى الكوفة اتخذ مسجدها للوعظ والإرشاد والتعليم وكذلك  الإمام زين العابدين  الذي يعد سيد الفقهاء في زمانه ، وكان القراء لا يخرجون إلى مكة حتى يخرج علي بن الحسين ، فقال سعيد بن المسيب أن الإمام السجاد خرج مرة إلى الحج وخرجنا معه ألف راكب ، وهذا يعني كيف أن للإمام تلاميذ كثيرين يستفيدون من حضوره وتواجده في المدينة ، وعندما يحج فأنهم يحجون معه ليستفيدوا من علومه ( فياض ، 160 ، نقلاً عن البحار في ترجمة حياة الإمام السجاد )    ثم جاء بعده الإمامان الباقر والصادق –ع- ، هذا إلى جانب فقهاء أهل السنة مثل سعيد بن المسيب وابن عمر وغيرهما .

     وقد ربى الأئمة الأطهار –ع- تلاميذ لهم يحلون محلهم في حضورهم وغيابهم في التدريس والموعظة والتعليم مثل هشام بن الحكم  وهشام بن سالم  وأبان بن تغلب ومحمد بن مسلم ويونس بن عبدالرحمن ومسمع بن مالك .

     وكان الإمام الصادق –ع- يشرف على النقاش أو يديره بين تلامذته وبقية أصحاب الآراء المخالفة لأهل البيت في الفقه والإمامة وعلم الكلام والتوحيد ( فياض ، ص 131 نقلاً عن رجال الكشي ، ص178) ، واستمر بقية أئمة أهل البيت –ع- في تربية مواليهم وشيعتهم على الرغم من الظروف السياسية التي تشتد حيناً وتقل حيناً آخر ، مثل الإمام الكاظم والإمام الرضا والإمام الجواد والإمام الهادي والإمام الحسن العسكري –ع- .

     وبعد عصر الغيبة برز شيوخ وعلماء من الشيعة الإمامية تصدوا للإفتاء والتدريس منهم الشيخ الصدوق المتوفى  381هج وقبله أبوه والشيخ المفيد المتوفى 413هج السيد الرضي المتوفى 406 هج والسيد المرتضى 436هج والشيخ الطوسي المتوفى 460 هج ، هذا ولقب الشيخ كان يطلق عند السنة والشيعة وهو الذي يحمل علوم الإسلام ويبثها بين المسلمين ، فالشيخ يطلق إذن على المعلم والاستاذ وهو من الألقاب التعليمية عند الشيعة الإمامية وهذا اللقب يعني أهلية حامله العلمية ويكون قد تجاوز الأربعين من عمره  ( فياض ، ص 145) ، وأما لقب الإستاذ فأنه لم يستعمل إلا نادراً في عصر شيخ الطائفة ( الطوسي ) إلا أنه شاع استعماله أيام الشيخ أو العلامة الحلي المتوفي 726هج ، ولقب المدرس أيضا لم يستخدم في عصور الأئمة إلا نادراً ، لكن هذا اللقب شاع في الاستعمال في القرن الرابع والخامس الهجريين بعد إنشاء المدارس النظامية .

     وقد كان لمجلس الدرس آدابه منها حضور التلاميذ قبل المعلم وجلوسهم على شكل حلقة يحيطون بالمعلم والاقتراب منه ، لكن إذا كثر عدد التلاميذ يستعين المعلم والاستاذ بشخص سمي ب " المستملي " ليسمع المتعلمون ما يقوله الشيخ او المعلم ، وقد يزيد عدد المستملين بازدياد أعداد المتعلمين ، كما نقل عن الصاحب بن عباد المتوفى 385 هج الذي كان يستعين ب ( 6) من المستملين لينقلوا صوته إلى الحضور المستمع له .

     وقد نقل الشهيد الثاني ( منية المريد ، ص65)  بعض توصيات في كيفية تعامل الشيخ مع طلبته منها أن يؤدبهم على التدريج وأن يبين لهم قيمة إخلاص العمل لله ( التعلم ) وأن يبين لهم فضل العلم وفضل العالم وأنه من ورثة الأنبياء ، وأن يحب لنفسه ما يحب لهم ويبين لهم سوء الأخلاق ( المحرمات والمكروهات ) ، وأن يتواضع لهم ويلين جانبه لهم ، وأن يحرص على تعليمهم ويراعي الفروق بينهم ويقدر فهم كل واحد منهم  ( الفروق الفردية )  ، وبعد تأهيل المتعلم يسهل المعلم  أموره ويحث الناس أخذ العلوم منه ، ويحثه على الاشتغال بالتعليم في المسجد كما حصل لأبان بن تغلب عندما أمره الإمام الباقر –ع-  أن يفتي في مسجد المدينة ، وكذلك أشار الإمام الرضا –ع- على تلميذه يونس بن عبدالرحمن أن يتصدى للفتيا  .

     توجد كتب عديدة تتناول آداب العالم والمتعلم من مثل : طل الربوة تربية الاستاذ الداعية لتلميذه ، وكتاب رسالة في العالم الرباني ولوازم العلم تأليف تركي بن سعد المولودي وكتاب مع المعلمين  وكتاب المعلم الأول تأليف فؤاد الشلهوب الرياض وكتاب تعليم المتعلم تأليف الزرنوجي 1265هـ وكتاب رسالة المعلم وآداب العالم والمتعلم تأليف عبدالمجيد البيتوني ، جدة 1429هـ وكتاب تذكرة السامع والمتكلم في آداب العالم والمتعلم تأليف محمد بن إبراهيم المعروف بابن جماعة الكناني المتوفى 733هـ ( مكتبة مشكاة الإسلامية ) كتاب التربية الإسلامية علم ثتائي المصدر تأليف صالح بن علي ابن عراد ، كلية المعلمين في أبها 1428هـ كتاب الخلاصة في أصول التربية الإسلامية تأليف علي بن نايف الشحود ماليزيا ط 1430ه- 2009 ، كتاب آداب العلماء والمتعلمين تأليف الحسين بن المنصور بالله ( موقع الوراق )
 
خامساً : المتعلمون ( الطلاب ) :
     كان تعلم الصبيان مألوفاً عند المسلمين بعد أن حث الدين على طلب العلم و انتشار نظام الكتاتيب ، وكان يتراوح عمر الصبي عند دخوله الكتاب ما بين (6) و(7) سنين ونقل عن الصادق : اكرم صبيك حتى يأتي عليه ست سنين ثم أدبه في الكتاب ست سنين ( فياض ، ص175 ، نقلاً عن الطبرسي ، مكارم الأخلاق ، ص74) ، وقد يبقى الطفل في الكتاب خمس سنين ، ويذهب إليه في الصباح الباكر حتى وقت الظهر ثم يعود إليه بعد تناول الغذاء بعد صلاة الظهر حتى فترة العصر ( حضارة العراق 8/26)  

     أما بالنسبة لسن طالب العلم في غير نظام الكتاب وهو ما بين 11 و16 سنة وهو ما يعادل سن طالب المرحلة الإعدادية أو المتوسطة والثانوية في النظام التربوي الحديث .

     وبعد سن العشرين يتهيأ طالب العلوم حضور دروس كبار الشيوخ والعلماء وهو ما يعرف بمرحلة بحث الخارج أو ما يسمى مرحلة الجامعة وما فوقها ، وأما مدة إكمال التحصيل لدى طلبة العلوم تدور ما بين 18 سنة و25 سنة حسب اجتهاد المتعلم ونباهته ، ونقل عن ابن سينا أنه ما أن بلغ 24 سنة من عمره تصور أنه يعلم جميع العلوم المعروفة في عصره ( فياض ، ص206)

     وهناك إشارات أخلاقية تربوية من أئمة أهل البيت على الاهتمام بالصبيان ورعايتهم من الناحية العلمية والصحية فقد نقل عن أمير المؤمنين أنه قال :" اغسلوا صبيانكم من الغمر فأن الشيطان يشم الغمر فيفزع الصبي من رقاده ويتأذى به الكاتبان ( فياض ، ص 176 ، نقلاً عن القمي في علل الشريع ،ص557) وهناك تأكيد على  تعلم السباحة قبل الكتابة كما نقل عن الشيخ البهائي ( نقلاً عن العاملي في الفصول ص441) كذلك يترك له حرية اللعب .

     اختيار الاسم المناسب والحسن للولد وعلى الولد أن لا يمشي بين يدي والده ولا يدخل معه الحمام ، ويقبل الوالد الصبي ويدخله الكتاب وأن يجالس أهل العلم .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق