الاثنين، 2 نوفمبر 2015

مقرر : النظام التربوي في الإسلام (2)



مقرر : النظام التربوي في الإسلام (2) 

أنواع  البيئة :
     الأسرة ، المدرسة ، الحي أو الفريج ، الأندية الرياضية ومراكز الشباب  والجمعيات الثقافية والاجتماعية ، مقاهي الانترنت ، دور السينما والمسارح ، دور العبادة والمساجد .

     هناك مفهوم يسمى " الجو العام " وهو عبارة عن البيئة أو المحيط الذي يساعد على انحراف الإنسان في الغالب أو استقامته أحياناً  ، وهذا المفهوم غير مطروق ومبحوث من قبل التربويين لأنه غير مادي وملموس إلا لأصحاب الإيمان والبصيرة النافذة والحاسة السادسة ، وقلة الدراسات النفسية التي تركز على هذا الجو ، ويقصد بهذا الجو تفاعل الإنسان مع الزمان والمكان والأشخاص وأعمالهم ( ذنوبهم ) ، وقد يفرض على الإنسان هذا الجو على الرغم من أنه يساعد بدرجة وأخرى بصناعة هذا الجو طالما يحمل في طياته قابلية الانحراف وطالما يتأثر بالأشخاص وما في المكان من أبهة وأثاث فاخر وبأصناف الأطعمة التي يتذوقها فتتولد لديه صفة الكبر مثلاً .

     أثر الذنوب في صنع البيئة الانحرافية وتأثر الناس والكائنات سلباً بهذه البيئة ، فقد روي عن أبي جعفر الباقر –ع- أن الله عز وجل إذا عمل قوم بالمعاصي صرف عنهم ما كان قدر لهم من المطر في تلك السنة ، إلى غيرهم وإلى الفيافي ( الصحاري ) والبحار والجبال ، وأن الله ليعذب الجعل ( دويبة ) في حجرها بحبس المطر عن الأرض التي هي بمحلها بخطايا من بحضرتها وقد جعل الله لها السبيل في مسلك سوى محلة أهل المعاصي ( الكافي ، ج2 ، كتاب الإيمان والكفر ، باب الذنوب ، حديث 15)

     يقول تعالى : " وإنكم لتمرون عليهم مصبحين وبالليل أفلا تعقلون " ( الصافات 138) .

     مر المسلمون أثناء عودتهم من غزوة تبوك على ديار ثمود ( الحجر ) وهي أطلال ( خربة ) وهذه الآثار بقيت على مر الزمان لتذكر من يتعظ  بغضب الله سبحانه على الذين كذبوا بآيات الله وبرسله وقال النبي للمسلمين : لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم إلا أن تكونوا باكين أن يصيبكم ما أصابهم " ( سيرة ابن هشام   ) ، يفهم من الرواية أن آثار ذنوب الكفار باقية وقد تتأثر نفوس المسلمين بهذه الآثار فنهاهم الرسول (ص) من الاقتراب من هذه الديار .

     يوجد جو أثر الذنوب في أماكن التي يرتادها أهل الدنيا وأهل المعاصي كالأسواق والحدائق العامة وأماكن اللهو والقمار وشرب الخمر وتعاطي المخدرات ، فيكون هذا الجو ملوثاً بالذنوب وموبوءة بقوى الشر، ومن أسباب بقاء أثر الذنب هو أن المذنب بعد ارتكابه الذنب يتمنى أن يعود إلى الذنب ويحب المكان الذي ارتكب فيه الذنب وهذا التمني يجعل أثر ذنبه باقياً ليشهد على المذنب كما تشهد الأرض عليه وتشهد عليه جوارحه ( النور/24) ، وهذا التمني يصدر من فكر المذنب ومن نفسه الأمارة .

     إن النية أساس العمل وأساس حركة الإنسان نحو الطاعة أو المعصية والتمني صورة من صور النية وبالتالي لو انه لم يذنب إلا أنه يعيش حالة الذنب لوجود هذه النية أو التمني والملائكة تسجل عليه " إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله "( البقرة /284) " بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل " ( الأنعام /28) ، لذا أثر الذنب يبقى ويستمر في حالة النية والتمني بالعودة إلى الذنب وصدور هذه الحالة الفكرية ( النية ) والحالة النفسية ( التمني ) بصورة الذنب ( صورة ملكوتية ) وتاخذ هذه الصورة ( الأثر ) شكل ذبذبات في الفضاء وتتمركز أكثر في مكان الذنب لفترة حسب كبر وحجم الذنب ( الكبائر ) وحسب استمرارية الحالتين الفكرية والنفسية للمذنب .

     من أمثلة تأثير الجو العام قصة السامري وتأثيره على بني إسرائيل في عبادة العجل مع وجود هارون أخي موسى وهو نبي في بني إسرائيل ، وكان السامري مريض النفس ( الانحراف النفسي ) " وكذلك سولت لي نفسي " ( طه /96) أي أنه استمد نفوذه وقوته من قوى الشر المحيطة بالإنسان وهي لها دور في تشكيل جو الانحراف ، لكن مجيء موسى وغضبه بعد ارتداد قومه أبطل تأثير هذا الجو الانحرافي .
          
 المدرسة :
     ينصب اهتمام المدارس اليوم على العلم والتعليم أكثر من التربية والتهذيب ، على الرغم من وجود مقرر التربية الإسلامية وموضوعات أخلاقية في بعض المقررات الدراسية الأخرى التي تحث التلاميذ والطلاب على الأخلاق الفاضلة ، ولكن تطرح بشكل أكاديمي أيضاً ، أي أن دروس التربية والأخلاق شأنها شأن دروس الكيمياء والفيزياء تعطى للطالب للاختبار فقط ، ولا يشعر الطالب بأثرها على سلوكه ونفسه وحياته .
     
     المدرسة هي البيت الثاني والمحضن الآمن المهم بعد الأسرة ، فإذا تراخت أو تراجعت عن أداء دورها ورسالتها زاد الفساد الأخلاق بين الشباب  وإذا افتقد الطالب  لدور الموجه الحقيقي والمرشد الناصح ولم يشعر ذاك أن معلمه أب وأخ ناصح لهّ ، فأن ساحة المدرسة تتحول من ساحة للبناء والتربية إلى ساحة للانحراف والضياع .

     وقد يرتكب بعض الطلاب المنكرات أو المحرمات في المدرسة نتيجة تأثره بزميله في الصف أو في المدرسة ، فكم من طالب تعاطى  المسكرات والمخدرات وكم من طالب استخدم التدخين نتيجة لهذا التأثر .

     ويعاني كثير من المعلمين من مشكلات ميدانية التي تواجههم في ساحات المدارس، وهذه المشكلات كثيرة وقد تتداخل بعضها ببعض سواء المتعلقة بالطالب وسلوكياته أو المنهج الدراسي ، حتى شعر كثير من المعلمين الذين يعانون من المشكلات السلوكية غير السوية عند طلابهم ، أن المدرسة فقدت دورها في التربية وأنها بحاجة إلى تقييم هذا الدور لمعرفة السلبيات والمعوقات خاصة بعد تزايد المشكلات الطلابية ، وأنه آن للمعلم أن يجري الدراسات الميدانية لحصر هذه المشكلات وإيجاد الحلول لها ، وأن على المعنيين بشئون التعليم والتربية في البلدان العربية والمسلمة دعم جهود المعلمين والباحثين بهذا الخصوص  ( سبتي ، 1999)

     كان التعليم المختلط شكل من أشكال التربية الذي انتقل إلى بعض المدارس الخاصة في بلدان المسلمين بعنوان تطور التعليم ، لكن أظهرت الدراسات التربوية على أن هذا التعليم ساعد على الإباحية والميوعة وممارسة الجنس وانهيار قواعد الأخلاق وغيرها في المدارس .

     في السابق كان المعلم قدوة وأسوة لطلبته وكان له تأثير كبير قد يفوق تأثير الوالدين في مجال التربية والإرشاد ، لكن دور المعلم بدأ يتقلص في الآونة الأخيرة نتيجة لعدم إيمان المعلم  بدوره التربوي ، ونتيجة لضعف الوازع الديني والأخلاقي والمهني لديه ، وتزعزع مكانة المعلم في أعين الناس وعدم وجود معايير لاختيار المعلم القدوة .

فالدور المنوط للمدرسة القيام به يتمثل :
     الانتفاع بالمواهب الفطرية واستخراج الطاقات الكامنة في نفوس الطلاب .

     تربية الغرائز وتهذيبها .

     العناية بالحواس وتنمية ملكة التعلم الذاتي  لدى الطلاب .

     التدريب على اكتساب الأخلاق والعادات الحسنة .
( القرشي ، ص 122) 

     آخر دراسة حول الاعتداء على المعلمين في لندن تشير نتائجها إلى تعرض معلمين كل أسبوع إلى الضرب والإهانة ، وفي أحد مقالاتي  تعرضت إلى بعض نتائج دراسة أخرى أيضا في لندن سبقت الدراسة الحالية بمعاناة المعلمين نفسياً بسبب ما يلقونه من عنف الطلاب ضدهم ، وذكرت في مقال ثالث أن طلاب المدارس آخر ما يفكرون به هو الدراسة .

     السؤال الكبير الذي يطرح نفسه على الساحة التربوية : لماذا يكره طلاب المدارس في كل مكان الدراسة وعدم التقيد بأنظمة المدرسة ؟

     في الأسابيع القليلة الماضية خاصة أيام الاختبارات الفصلية سمعنا تغيب طلاب المدارس بعد الانتهاء من حصة الاختبار وبشكل ملحوظ وملفت للنظر حتى أن المدارس أصبحت شبه خاوية من الطلاب ، بل اشتكت بعض الإدارات المدرسية من خروج أولياء الأمور أبنائهم من المدرسة لأن غداً اختبار الفيزياء مثلاً ، فاضطرت إدارات المدارس صرف نماذج من الإجازة الطبية كحل لخروج الطلاب بل والطالبات من المدارس ، وأصبح الاختبار المدرسي عبئاً ثقيلاً على الطلاب لماذا ؟

     ناهيك حصة النشاط التي يراها أكثر الطلاب حصة غير مجدية .

     لعل هذه النقاط التي أذكرها تنبه المسئولين على ظاهرة عدم رغبة الطلاب للدراسة .

إذا أرادوا حلاً لهذه الظاهرة :
-         إجراء الدراسات الميدانية لبيان حجم ومشكلة الظاهرة وأسبابها خاصة أسباب عزوف الطلاب عن الدراسة .

-   تشدد الإدارات المدرسية في الحد من التسرب وغياب الطلاب عن المدرسة وتطبيق اللوائح والنظم المدرسية ولو أدى ذلك إلى فصل الطالب من المدرسة .

-         جعل المدرسة بيئة جاذبة كي يحب الطلاب مدارسهم ومعلميهم .

-   حث المعلمين على جعل حصصهم مرغوبة ومحببة لدى طلابهم وتخصيص بعض وقت الحصة بقضايا تهم الطلبة لإبداء آرائهم .

-   إعادة النظر في المناهج المدرسية كي تراعي ميول الطلاب ورغباتهم وتهيئتهم للمستقبل الوظيفي ، مع تطوير الأنشطة اللاصفية داخل وخارج المدرسة .

-         توعية أولياء الأمور بأهمية الدراسة وعدم إخراج أبنائهم إلا لسبب قاهر .

-   تفعيل حصة النشاط المدرسي كحصة مهمة تحسب ضمن حصص المدرسة مع توفير كل الإمكانات والخامات وإجراء المسابقات الرياضية والثقافية بين المدارس . ( مجلة المعلم ، العدد1597، سبتي ، 25/12/2010 )

أسئلة تقويم الفصل الأول

أجب عما يأتي :
1-   ما مفهوم :
-         التربية العامة ؟
-         التربية في الإسلام ؟

2-   حث الإسلام على العلم وفضله ، وما أهمية العلم في حياة المسلمين ؟

3-   ما أنواع التربية في الإسلام ؟

4-   اذكر أهم أهداف التربية في المدارس الغربية ؟

5-   قارن بين أهداف التربية في الإسلام وأهداف التربية في الغرب .

6-   استخرج من سورة الفاتحة بعض اهداف التربية في الإسلام ؟

7-   اذكر باختصار العوامل المؤثرة في التربية ؟

8-   أيهما أقوى تأثيراً : الوراثة أم البيئة ؟

9- فقدت الأسرة المعاصرة دورها الطبيعي والهام في تربية الأبناء ، اذكر التحديات التي تواجه الأسرة وتجعلها تفقد وظيفتها في التربية ؟

10-        اكتب بحثاً لا يتعدى 10 صفحات عن جرائم الأحداث : متضمناً بحثك : مفهوم الحدث ، جرائم الأحداث ، الأسباب التي ساعدت الأحداث على ارتكاب الجرائم ، وتوصيات ومقترحات للحد من جرائم الأحداث .

11-                      يتأثر الطفل أو المراهق بزملاء المدرسة ، اذكر التأثير الإيجابي والتأثير السلبي .

12-                      اكتب مقالاً لا يتعدى  (5 )   صفحات عن التعاون بين البيت والمدرسة ؟

  13- اقرأ هذه الفقرة ثم أجب عما يأتي :
     وصار كثير من الناس وهم يشترون متطلباتهم من أسواق ومراكز التسوق يحسون بشيء من الخوف ويشعرون بهاجس يلازمهم من أن يكونوا يشترون حتفهم بأنفسهم فهم لا يدرون مدى المعالجات الوراثية الجينية التي أخضع لها ذلك الطعام ولا كمية المخصبات والمبيدات الحشرية التي استخدمت في انتاجه، هذا الهاجس والخوف تحول إلى ممارسة عملية في أماكن مختلفة من العالم ورفع عدد متزايد من الناس صوته محذراً أو معترضا على تعديل جينات المحاصيل والخضراوات وغيرها من النباتات .

أ‌-       ضع عنواناً للفقرة السابقة ؟

ب‌-  لماذا يخاف الناس من شراء بعض المواد الغذائية ؟

ج- كيف تستفيد البشرية من علم الهندسة الوراثية ؟

الفصل الثاني : مكونات النظام التربوي
     يتكون النظام التربوي من عناصر ومكونات تقوم عليه ، ولا يمكن إغفال عنصر  على حساب عنصر آخر كما إذا قيل أن الاهتمام بالجانب البدني للإنسان لا يعني إهمال الجانب النفسي أو الجانب الروحي أو الاجتماعي ، عندما نريد تربيته وتعليمه وهدايته  ، و ... .

أهم مكونات النظام التربوي : 

أولاً : السياسات والاستراتيجيات :
     وهذه السياسات عبارة عن قوانين ولوائح تنظيمية تنظم شئون التعليم في المؤسسات التعليمية والتربوية والأخلاقية ، وتقوم الإدارة العليا وبالتعاون مع خبراء التربية والتعليم في البلدان بصياغة هذه السياسات العامة .

     كلف كل من الخبيرين التربويين : إسماعيل القباني ود. متى عقراوي بكتابة تقرير عن الأوضاع التعليمية في الكويت عام 1954-1955  ، وتناول التقرير تعديل السلم التعليمي لتكون المراحل التعليمية ثلاث : ابتدائي ومتوسط وثانوي إلى جانب مرحلة رياض الأطفال ، وصياغة الأهداف العامة للتربية مثل محم الأمية ونشر التعاليم الدينية والأخلاقية وبث روح المواطنة وبث روح الديمقراطية وبث المباديء الصحية الفردية والعامة وغرس العادات الصحية وغرس الميل إلى العمل اليدوي واحترامه والعناية برياضة الجسم وتنمية الهوايات ومنها العمل الكشفي وتنمية روح الإبداع والابتكار وتشجيع التعبير عن النفس بالفن والتصوير والنحت والموسيقا والتمثيل والشعر والخطابة والكتابة ( تقرير القباني وعقراوي )

     وتتضمن هذه السياسات المبادئ والأهداف العامة للتربية والتعليم والسلم التعليمي والمراحل التعليمية ونظم الامتحانات والغياب والميزانية، وتنظيم المهام والأعمال وتنسيقها بين الإدارة العليا والإدارة المحلية ( المحافظة ) والإدارة المدرسية واختيار المعلمين وتدريبهم وإعدادهم ، وحقوق العاملين والمتعلمين وغيرهم في المؤسسات التعليمية، وتستمد هذه السياسات من دستور الدولة في النظام التعليمي الوضعي ،  ومن روح الإسلام وتعاليم النبي وأهل بيته وصحابته الكرام إذا كان النظام التربوي إسلامياً ، وأكدت الفلسفة الإسلامية وهي تعد من هذه السياسات على مبادئ عامة : وهي عملية المعرفة عملية مستمرة من المهد إلى اللحد ، وعملية إيمانية أي تقوم على الإيمان بالله وكتبه ورسوله واليوم الآخر وإنسانية أي تنظر إلى الإنسان أنه كائن حي متميز له دوره في الحياة ، وأخلاقية أي تقوم على الأخلاق والقيم ، وشمولية أي لا  تركز على جانب فردي فقط أو جانب اجتماعي فقط أو جانب ثقافي ، وإنما تشمل كل الجوانب وتشمل كل المجاميع البشرية ، أنها تنظر إلى الإنسان والكون والحياة .

     لقد ترك قادة الإسلام التربويون تراثاً من التعاليم والسنن وغيرها التي ترسم الإطار العام للنظام التربوي الإسلامي ، وتشتق أهداف التربية العامة من هذه السياسات العامة ، وقد تتغير السياسات العامة للتعليم والتربية مع تغير أحوال الزمان والظروف السياسية ، وتتغير الأهداف العامة والخاصة للتربية والتعليم ،كما في  دراسة (كعكي،2005) تهدف هذه الدراسة إلى إلقاء الضوء على مفهوم الإدارة التربوية في عصر العولمة وتجسيد واقع الإدارة التربوية في عصر العولمة بالمملكة العربية السعودية وكيف يمكن للإدارة التربوية أن تتفاعل مع العولمة ووضع تصور مقترح لآليات تحديث الإدارة التربوية في عصر العولمة،وتوصلت الدراسة إلى إن الإدارة التربوية في عصر العولمة بالمملكة العربية السعودية مطالبة بالعمل على تفعيل دورها التربوي بما يتناسب مع التطورات العلمية الحديثة، وذلك يلزمها تحديث السياسات واللوائح التنظيمية، وإعادة النظر إلى الهيكل التنظيمي، وتوصيف وتصنيف الوظائف بما يلائم احتياجات عصر العولمة ، والتوعية الإدارية بكيفية التفاعل الواعي مع عصر العولمة ، وتدريب القيادات التربوية على ذلك .

     لكن هناك ثوابت وأصول لا تتغير في النظام التربوي الإسلامي ، حيث تشتق السياسات العامة لهذا النظام من القرآن وسنة النبي (ص) وأئمة أهل البيت –ع- .

     وتوجد هذه السياسات العلاقة بين مكونات النظام التربوي وبيان القوانين واللوائح التي تنظم شئون كل مكون من هذه المكونات .

ثانياً : الإدارة التربوية :
     مفهوم الإدارة يتعدد باختلاف المفكرين وأماكن تواجدهم ، فالإدارة  هي عبارة عن تحقيق الهدف المنشود لأية جماعة في أية مؤسسة ، أو تستخدم في تنفيذ الأعمال بواسطة الآخرين وفي الاستخدام الفعال للموارد المتاحة ، بالإضافة أنها قد تكون فن قيادة وتوجيه أنشطة المجموعة البشرية للوصول إلى الغاية المطلوبة ، ومعرفة المشكلات التي تعترض هذه المجموعة مع إيجاد الحلول لهذه المشكلات ، أوهي أيضا عملية اتخاذ القرارات التي تتحكم في تصرفات الأفراد .

     بعد التطور في مجال الإدارة العامة نتيجة لتطور أساليب الحياة العامة بعد اختراع أدوات التكنولوجيا ، فأن هذا التطور قد طال الإدارة التربوية في المؤسسات التعليمية والتي أخذت تركز على الاهتمام بالكفاءة من أجل إيجاد نظام تعليمي أخلاقي يربي الأجيال الناشئة وفق مبادئ الإسلام وهدي نبيه وآله ووفق احتياجات وتوقعات المجتمع ، وتمثلت هذه الكفاءة استخدام الموظفين الأكفاء والأجهزة والمعدات العصرية المطورة وتطبيق التقنيات الفنية في إدارة وتنظيم الأعمال في المؤسسات التعليمية والتربوية من أجل خلق المخرجات التعليمية ، وكما ان أصحاب الإدارات العامة يهتمون بجودة الإنتاج في المصانع وغيرها ، فأن أصحاب المؤسسات التربوية يجب أن يهتموا بجودة التعليم لخلق أجيال مؤمنة صالحة واعية يكون لها دور في مستقبل بلدانها .

     اهتم المعنيون بالنظرية العلمية في الإدارة التربوية بعد أن أثبتت النظرية العلمية الكفاءة المؤثرة والفاعلية المرتفعة في تحقيق الأهداف التعليمية خاصة في مجال العلاقات الإنسانية حيث أن التعامل والتفاعل ينصب على رعاية الطفل وتربيته   وهذه العلاقات ركزت على تعلم المهارات على نطاق المجهود البشري أي المهارات التي يقوم بها الإنسان ويجب صقلها وتنميتها .

العوامل المؤثرة على الإدارة التربوية :
     كفاءة الإدارة التربوية تعتمد على عناصر منها البشرية والإمكانات المادية مثل الأدوات والتجهيزات وبرامج العمل والغايات والأهداف ووضوحها والإطار التنظيمي بما فيه من القوانين واللوائح الداخلية ، ولكن مع وجود هذه المكونات فأن الإدارة التربوية تتأثر بـ : 

- الأهداف التربوية :   
  وهذه الأهداف عبارة عن السياسات العامة التي تحدثنا عنها لا حقاً وهي مستمدة من دستور البلاد ودينها و أعرافها وتقاليدها ، وسوف نتحدث عن هذه الأهداف التعليمية والأخلاقية بعد ذلك .

- السلطة السياسية :
     السلطة لها دور في تنظيم شئون المؤسسات ضمن حدود المسئوليات والأهداف المرسومة وقنوات الاتصال ، وتختلف السلطات السياسية في كيفية تنظيم شئونها الداخلية حسب نظام حكمها فظهر بذلك  أنماط من الإدارات التربوية مثل الإدارة الاستبدادية والإدارة البيروقراطية والإدارة الديمقراطية ، والإدارة التربوية في النظام التربوي الإسلامي يعتمد على مبادئ الشورى والديمقراطية .

وظائف الإدارة التربوية :
     المدير هو الشخص الذي يدير شئون العمل في أي مؤسسة ومنها المؤسسة التعليمية والأخلاقية ويقوم هذا المدير بأنشطة وأعمال تتجمع في قطاعات تنظيمية تسمى " وظائف الإدارة " أهم هذه القطاعات والوحدات الإدارية :

التخطيط :
     وضع أهداف وآلية (أساليب العمل ) للوصول إلى هذه الأهداف وفترة زمنية لتحقيق هذه الأهداف .

التنظيم :
     تنظيم وتحديد الأنشطة وتوفير ما يلزم لتنفيذ هذه الأنشطة والأعمال .

توظيف الهيئة العاملة :
     أي تحديد الاحتياجات من الموارد البشرية وتدريبها وتوظيفها .

الرقابة :
     أي قياس الأداء مقارنة بالأهداف أي قياس ما تم إنجازه مقارنة بما كان يجب إنجازه مع تحديد أسباب الاختلاف واتخاذ الإجراءات والقرارات اللازمة للتغلب على ضعف الأداء .

القيادة :
     توجيه السلوك البشري نحو تحقيق الأهداف وإرشاد وتوجيه المرؤوسين أثناء إدارة العمل مع رفع الروح المعنوية لديهم ( تقي ، الإدارة التربوية ، ص19)

الإدارة التربوية عند المسلمين :
     الإدارة في الفكر الإسلامي تعني خدمة الناس " سيد القوم خادمهم " والتربية عبارة عن توجيه وتربية وتعليم من قبل من يقوم بها باعتباره معلماً قبل أن يكون والياً ومديراً .

وأهم المبادئ التي تقوم عليها الإدارة في الإسلام :
     مبدأ الشورى كما في قوله تعالى " وأمرهم شورى بينهم " ( الشورى /37 )

مبدأ المشاركة للمسئولية :
     ليس القائد مسئولاً وحده في تحمل المسئولية وإنما الكل مسئول سواء بنصيحة وإسداء المشورة للمدير .

مبدأ تفويض السلطة والصلاحيات :
     كان النبي يستعين بصحبه في إدارة الدولة فيوزع المهام ويعين القواد ويترك لهم صلاحية التنفيذ ، ويعين من ينوب عنه عند خروجه من المدينة .

     مبدأ القدوة كان النبي قدوة لصحابته يقتدون به .

مبدأ سياسة الباب المفتوح :
     وقد فتح النبي قوات الاتصال بينه وبين المسلمين فكان صاحب الشكوى سريع الاتصال به ليشتكي إليه وقد قال تعالى في هذا الصدد " قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله "( المجادلة /1)

مبدأ العلاقات الإنسانية :
     الإسلام يساوي بين البشر وقول أمير المؤمنين مشهور في أن الإنسان مساوي لإنسان " نظير لك في الخلق " أو أخ لك في الدين " لذا تميزت الإدارة في الإسلام بالعدالة والقدوة العملية ، ( الفقي ، ص83)   

     لم تكن هذه الإدارة مطورة ومتشعبة بمثيلتها من الإدارة التعليمية الحديثة لكنها كانت تتأثر بالظروف السياسية والاجتماعية أبان الحكم الإسلامي منذ عهد الرسول والأئمة الأطهار –ع-  وما بعدهم ، لذا لم تكن هذه الإدارة واضحة المعالم أو معلنة في عهد الأئمة بسبب الظروف القاهرة التي مر بها الأئمة وإتباعهم وشيعتهم ، وإن كان الإمام من أئمة أهل البيت لم يتخلى عن دوره كلما سنحت الفرص في إدارة شئون شيعته ومواليه المالية والتربوية والأخلاقية والعلمية ، وهذا شيء طبيعي ومنطقي مع تزايد أعداد الشيعة الإمامية ، وانتشارهم في الأمصار الإسلامية ، وكان الأئمة يحثون شيعتهم على التعليم والتبليغ ونشر أحكام  الإسلام خاصة علوم أهل البيت ، وحث العلماء من الشيعة بضعاف الشيعة ( الأيتام ) حتى لا يتسلط عليهم الشيطان وجنوده ، ويعد هذا التعليم من أفضل الجهاد في سبيل الله سبحانه ، وعلى الرغم من هذه الظروف الصعبة إلا أن الإدارة التربوية التي كان يترأسها الأئمة –ع- إمام بعد إمام تدير شئون الشيعة التعليمية والدينية بعد استشهاد الإمام الحسين فكان الإمام علي بن الحسين وابنه الإمام الباقر وابنه الإمام جعفر بن محمد الصادق ، وقد أخذت هذه الإدارة صفة التعليم والإرشاد فقد اتخذ هؤلاء الأئمة ومن جاء بعدهم من أئمة أهل البيت في البداية مسجد جدهم رسول الله لبث العلوم ورعاية المتعلمين من المسلمين خاصة العلوم العامة ، إلا أنهم كانوا يخصصون فترات في تعليم علوم أهل البيت بعيداً عن عيون السلطان ، خاصة قد يحرم الشيعي ألإمامي من الوظائف العامة لدى السلطان بسبب دراسته علوم أهل البيت ، بينما كان تعلم فقه أهل السنة يؤهل صاحبه للعمل في دواوين الخلافة ، على الرغم من أن بعض من الشيعة اشتعلوا بمراكز التعليم في هذه الدواوين ولكن كانوا يستخدمون التقية ولظروف خاصة .

     وكان الإمام من أهل البيت يدير شئون الشيعة المالية ويخصص قسماً منها في سلك التربية والتعليم ، وقد كان أفراد من الشيعة من يؤم مدينة الرسول (ص) من أجل أخذ معالم الدين وأحكامه من إمامه سواء في موسم الحج وغيره وبعض منهم يمكث سنين عديدة في المدينة فيحتاج إلى نفقات من مال وكسوة خاصة طلبة العلم منهم ، ولم يكن بيت المال من مصادر الإنفاق على التعليم وغيره لأن بيت المال بيد الخلافة وبالتالي الاعتماد كان منصباً أيام عصر الأئمة أي حتى 260 وما بعده على الحقوق الشرعية التي تصل إلى الإمام من شيعته ، حتى عهد البويهيين الذين حكموا معظم بلاد فارس وبغداد قد اخذوا من بيت المال للإنفاق على شئون التعليم والتربية سواء على أهل السنة أو أهل الشيعة .

     وبعد رسول الإسلام والأئمة الأطهار فقد تصدى علماء المسلمين في إدارة شئون التربية والتعليم في الأمصار الإسلامية ، في عهد البويهيين وقد أنشأ الوزير البويهي دار العلم في بغداد في سنة 381 هج وحمل إليها عشرات آلاف الكتب والمصنفات  بعد هجرة الشيخ الطوسي إلى النجف ليدير حركة  العلم وينشأ فيها جامعة (حوزة ) بعدما كان يترأس الحركة العلمية في بغداد ومنحه الخليفة العباسي  " الكرسي " وهو أعلى منصب علمي لإدارة شئون التعليم ، وكان طلابه من السنة والشيعة  ( الحكيم ، ص 29)  

مرت الإدارة التربوية الإمامية بمراحل هامة :

أولا : عصر الأئمة حتى 260 هج :
     كل إمام يمثل قائد ومدير لشيعته فهو يهتم بأمورهم الدنيوية والأخروية ، فهو يدير النظام التربوي في منزله وفي المسجد ، وقد يسند الإمام إلى أحد مواليه في إدارة التعليم عندما تشتد الرقابة على الإمام ، وبالتالي امتازت الإدارة التربوية باللامركزية أو ما يعرف بنظام الوكلاء أي أن أناساً يقومون مقام الأئمة في  إدارة شئون الشيعة ومنها التعليمية وظهر هذا النظام بسبب الرقابة الشديدة على أئمة أهل البيت وكذلك بعد القواعد الشعبية للأئمة عن إمامها وانتشارها في بقاع الأرض وقد ترسخ نظام الوكالة الخاصة في عصر الغيبة الصغرى حيث عين الإمام المهدي سفراء ووكلاء له لإدارة شئون الشيعة كما سوف يأتي .

أهم مهام الإمام :
     صياغة أهداف التربية والتعليم للنظام التربوي ، تعيين مدراء في المناطق النائية ، الإشراف على المقررات والمصنفات الدراسية وتسمى الأصول الأربعمائة ، الإنفاق على مكونات التعليم ، المحافظة على روايات النبي والأئمة من التحريف ، نشر فضائل أهل البيت ، الرد على المخالفين والغلاة والزنادقة ، تزويد الشيعة بالنصائح التربوية .

     تصحيح مؤلفات تلامذته بعد عرضها عليه  ، توزيع المهام والتخصصات ،  الإجابات لمسائل الشيعة وقد صنف بعضهم كتباً في " المسائل " ، إدارة النقاش بين الشيعة وبقية المذاهب في الفقه والكلام والإمامة والتوحيد وتفسير القرآن .

صفات الإمام الإدارية :
     تفويض السلطة ، اللامركزية ، بناء العلاقات الإنسانية ، صنع القرار ، مهارة التواصل .

ثانياً : عصر القميين 83 -297هج :
     كانت إدارة التربية والتعليم بيد القميين الأشاعرة الذين هاجروا من الكوفة إلى " قم " في إيران بعد اشتداد الضغط على الشيعة خاصة أيام الحجاج ( المتوفي 95هج)  الوالي على الكوفة  ، وكان لهم دور في دراسة أحاديث أهل البيت  وتنقيحها من الضعف والغلو ، وكانت لهم إدارة لامركزية بحكم الرقابة على الأئمة –ع- وأنشأ القميون مدرسة  في علوم الحديث لتخريج علماء في الحديث ، وقد ترجم الحسن القمي ( المتوفي 378هج)  في كتابه " تاريخ قم " لعدد (620 ) من علماء الشيعة في قم ، وهذا يدل على ازدهار حركة التعليم في قم ( فياض ، ص 74) وقد حث الأئمة بعض الموالين الشيعة بالهجرة لطلب العلم خاصة في أماكن تواجد الشيعة مثل الكوفة وقم وبغداد ، هذا وكانت قم مصدر أوقاف وحقوق شرعية التي تسلم إلى الأئمة منذ عهد الإمام الصادق وما بعده من الأئمة وقد تصرف بعض الأموال على حركة التعليم ، وظهرت مدارس ذات أوقاف في قم ويديرها فقهاء وعلماء وذلك في حدود 560 هج كما جاء في كتاب " النقض " لعبدالجليل القزويني الرازي ( فياض ، ص261) وقد اشتهرت قم بجذب علماء من الشيعة في علم الحديث مثل إبراهيم بن هاشم الذي نشر أحاديث الكوفيين في قم وهو والد علي بن إبراهيم القمي صاحب التفسير ( المتوفي 307 هج )  وشيخ الكليني ( المتوفي 329هج ) وأبو علي أحمد بن إدريس بن أحمد الأشعري القمي المتوفي 306هج ، وأبو جعفر أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري القمي وأبو عبدالله الحسين بن محمد بن عمران الأشعري القمي وأبو القاسم سعد بن عبدالله بن أبي خلف الأشعري القمي المتوفي 300هج وأبو جعفر محمد بن يحيى العطار الأشعري القمي وهم من شيوخ الكليني .

ثالثاً عصر الغيبة الصغرى 260 -329هج :
     ظهور السفراء الأربعة الذين يمثلون الوساطة بين الشيعة و الإمام المهدي ( الغائب ) في عصر الغيبة الصغرى وهؤلاء السفراء هم عثمان بن سعيد العمري وابنه محمد بن عثمان والحسين بن روح وعلي بن محمد السمري ، وكل سفير يكون نائب عن الإمام في إدارة شئون الشيعة ومنها التعليمية ولو بصورة سرية وغير علنية وقد يعين الإمام بتفويض بعض سلطاته إلى وكيله الخاص كما بالنسبة للسفير الأول عندما أعلن المهدي بمنح هذه الصلاحيات له أمام وفد القميين ، وكان السفير الثالث يستلم من وجوه الشيعة مسائل ليجيب عنها الإمام كما حصل مع وفد القميين ( غيبة الطوسي ، 228)  ،  وكتابة أحاديث أهل البيت وقد ظهر كتاب الكافي للكليني المتوفي 329هج  ، وهذا الكتاب يضم بين دفتيه أكثر من (16) ألف حديثاً ، وقد انتهت إليه رئاسة فقهاء الإمامية في أيام المقتدر العباسي ( 295- 320هج ) ، وهذا يعني أنه كان يدير حركة التعليم في عصر السفراء ، وكان أستاذه محمد بن الحسن الصفارالمتوفي 290 هج  صاحب المصنفات الكثيرة وأشهرها كتاب " بصائر الدرجات " في الإمامة ، وكان مشهوراً بالحديث وعلومه ( رجال النجاشي ) ، وقد سأل أحد الشيعة  الشيخ الكليني أن يؤلف كتاب كاف يجمع جميع فنون علم الدين ما يكتفي به المتعلم ويرجع إليه المسترشد ،  في الظاهر الوكيل كان يدير الشئون التعليمية وغيرها نيابة عن الإمام المهدي وتوجد إشارات أن القميين كانوا يراسلون الوكلاء ويستشيرونهم في القضايا العلمية ، وهذا ابن الجنيد أبو علي الكاتب الأسكافي كتب في الفروع الفقهية وله كتب كثيرة كما قال النجاشي وكان  معاصراً للشيخ الكليني وللشيخ علي بن بابوبه والد الشيخ الصدوق والسفير الثالث الحسين بن روح .

     امتازت إدارة السفراء الأربعة بتفعيل دور " نظام الوكالة " الذي كان سائداً في عصر الأئمة بسبب غيبة الإمام المهدي ، وقد يستعين السفير المهدوي بوكلاء يعتمد عليهم في تصريف شئون الشيعة حتى أن السفير الثاني محمد بن عثمان له (10) وكلاء في بغداد فقط ومنهم الحسين بن روح ، ولكن ظهر في هذا العصر وكلاء مذمومين الذين استغلوا نظام الوكالة في جمع الأموال وطلب الرئاسة الدنيوية وقد عد الشيخ الطوسي (9) منهم في كتابه ( الغيبة ، ص 213 ) 

أهم أعمال السفراء في هذا العصر :
     كان السفير يدير مختلف شئون الشيعة وكان بمثابة المدير العام يشرف على المناطق الشيعية وهو ينيب عن الإمام المهدي (عج) :

     تهيئة الشيعة للغيبة الكبرى .

     استلام الأموال والحقوق الشرعية وتسليمها إلى الإمام أو صرفها .

     محاربة الوكلاء غير الشرعيين وفضح أمرهم .

     عقد مجالس العلم لمناقشة القضايا التعليمية والشرعية مع بقية العلماء الشيعة والسنة .

     حل مشكلات الشيعة الخاصة والعامة .
    
رابعاً : عصر  العلماء الكبار( المجتهدين ) :
     في عصر الغيبة الكبرى برز فقهاء وعلماء كبار  وهم الوكلاء والنواب عن الإمام الغائب – عج – ويسمى هذا العصر بعصر الوكالة العامة وذلك مع بداية الغيبة الكبرى بعد وفاة السفير الرابع  ، وقد تمركز هؤلاء العلماء الكبار في بغداد موطن السفراء الأربعة ، وقد عرف هؤلاء العلماء أن مجلسهم كان يحضره علماء العامة والخاصة   أمثال جعفر بن محمد بن قولويه القمي المتوفي 368هج صاحب كتاب " كامل الزيارة " ،  ومحمد بن الحسن المشهور بالصدوق صاحب " من لا يحضره الفقيه " أحد الكتب الحديثية الأربعة للشيعة المتوفي 381هج وله كتاب " الأمالي " ويجد الباحث جهوده التعليمية وكان من المعلمين المميزين ، والشيخ المفيد المتوفي 413هج  الذي يحضر مجلس علمه علماء السنة والشيعة كما قال ابن الجوزي كان لابن المعلم ( المفيد ) مجلس نظر بداره بدرب رباح ( بغداد ) يحضره كافة العلماء وقال ابن كثير : كان مجلسه يحضره خلق كثير من العلماء من سائر الطوائف ، ونبغ تلاميذ له الشريف المرتضى المتوفي 436هج الذي كان يخصص لبعض طلبته الأموال وقد خصص للشيخ الطوسي وهو تلميذه 12 ديناراً في الشهر ، والشريف الرضي المتوفي 406هج ، وقد أنشأ مدرسة وتسمى دار العلم لتعليم علوم أهل البيت ووفر فيها كل ما يحتاجه الطلبة حتى المبيت والمأكل ، والكراجكي المتوفي 449هج  والشيخ الطوسي المتوفي 460هج الذي ترأس الزعامة الدينية والعلمية بعد وفاة أستاذه الشريف المرتضى ، وقد كانت دار الشيخ الطوسي في الكرخ ببغداد مأوى الناس يأتونها لحل مشكلاتهم وإيضاح المسائل ، وقد تقاطر عليه العلماء للدراسة وقد بلغ تلاميذه (300 ) من مجتهدي الشيعة ، حتى أن الخليفة العباسي القائم (422- 467هج) خصص له كرسي للكلام والإفادة ، حيث لا يخصص إلا لكبير العلماء ونادرة الزمان .

     أصبح التعليم خاصاً عندما هاجر الشيخ الطوسي إلى النجف وأسس " الحوزة العلمية " فيها ، إذ كان التعليم قبل ذلك عاماً حيث تضم المجالس علماء السنة والشيعة في بغداد ؟ ولكن بعد انتقال الشيخ الطوسي إلى النجف بدأ بعقد دروس لعلوم أهل البيت كما يبين كتابه " الأمالي" أنه كان يدرس تلامذته بجوار مرقد أمير المؤمنين .

أهم المهام في هذا العصر :
- كتابة تصانيف علماء الشيعة لتعريف الطوائف الإسلامية الأخرى بعلماء الشيعة ومصنفاتهم مثل كتاب الرجال للنجاشي المتوفي 450 هج وكتاب " الفهرست " للشيخ الطوسي الذي قال عند تصيف كتابه " ولم أضمن أني استوفي ذلك إلى آخره فأن تصانيف أصحابنا لا تكاد تضبط لكثرة انتشار أصحابنا في البلدان وأقاصي الأرض ( كتاب الفهرست ، المقدمة )

- إنشاء مدارس خاصة تدرس علوم أهل البيت منها جامعة النجف التي أسسها الشيخ الطوسي ، وهذه المدارس أقيمت بقرب المراقد الشريفة لأئمة أهل البيت .

- إدارة هذه المدارس على يد علماء الكبار والمراجع والمجتهدين .

- تصنيف المصنفات والكتب لبيان مذهب أهل البيت والتأكيد على غيبة الإمام المهدي في عصر الغيبة الكبرى .

ثالثاً : المنهج التعليمي :
     أساس أي نظام أو مؤسسة المنهج أو طريقة إدارة هذا النظام ومدى تحقيق أهدافه .

     المنهج مصطلح لاتيني ويعني " الطريقة التي ينهجها الفرد حتى يصل إلى هدف معين " وكان المنهج يقتصر في السابق على المعلومات التي يحفظها المتعلم .

     وقد كان ينصرف المنهج التعليمي أو الدراسي في النظام التربوي الإسلامي إلى الكتب أو المصنفات أو ما يسمى المقررات الدراسية فقط ، لذا ذكر فياض في كتابه (تاريخ التربية عند الامامية ، ص241 ) الكتب المقررة في التعليم عند الامامية تحت عنوان " مناهج التعليم " فذكر منهج الكتاب ويتكون من القرآن والخط والحساب والرسائل والشعر ، ومنهج تعليم العلوم كمرحلة أعلى من مرحلة الكتاب ذكر الأصول الأربعمائة وهي الكتب المتداولة في زمن الأئمة وحتى 260 هج من تأليف بعض الأئمة وتلامذتهم مثل صحيفة علي  وكتاب الفرائض والجامعة ومصحف فاطمة –ع- ومنها كتاب سلمان وأبي ذكر والأصبغ بن نباتة وعبيدالله بن أبي رافع والصحيفة الكاملة للإمام زين العابدين –ع- ، وبعد عصر الأئمة اعتمد العلماء الإمامية على الكتب الحديثية الأربعة : الكافي للكليني ومن لا يحضره الفقيه للصدوق والتهذيب والاستبصار للطوسي بدلاً من الأصول الأربعتمائة ، ومع ذلك نقل عن ابن طاووس أنه حث ابنه قراءة بعض الكتب منها من الأصول وغيرها  في كتابه " كشف المحجة " مثل كتاب الحجة ( الكافي ، للكليني ) وكتاب المعرفة لإبراهيم بن اسحاق القمي وكان معاصراً لعصر الغيبة الصغرى وكتاب المعجزات لهبة الله الراوندي المعاصر للإمام الهادي –ع- وكتاب الدلائل لعبدلله بن جعفر الحميري شيخ القميين وقدم الكوفة نيف وتسعين ومائتين وسمع أهلها منه الحديث كما قال النجاشي في ( رجاله ) وكتب الشيخ المفيد وكتاب الاحتجاج لأحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي  وكتاب الدلايل لمحمد بن رستم الطبري الإمامي ، ويفهم من ذلك أن ابن طاووس وغيره كانوا يستعينون بما بقي ما الأصول الأربعتمائة كمقررات دراسية وبحثية في عصره في القرن السابع الهجري حيث أن سنة وفاة ابن طاووس 664هج .

     وكتب ابن خلدون في مقدمته أن العلوم عند المسلمين تنقسم إلى قسمين : صنف طبيعي يهتدي إليه الإنسان بفكره مثل علوم الفلسفة والمنطق والفلك وغيرها وصنف نقلي يأخذه عمن وضعه وهي علوم الدين مثل التفسير والفقه والحديث ( ابن خلدون ، ص249)

     ونقل فياض ( ص 248) من المستشرق " ترتون " بعض المقررات الدراسية مثل تلاوة القرآن والحساب والسباحة للأولاد والغزل للبنات والنحو والكتابة والقراءة والشعر .

     وفي القرن العشرين شدد " ديوي " أن يهتم المنهج بالمتعلم كفرد  حر مستقل بحاجاته ورغباته واهتماماته وبالمجتمع بما فيه من تغيرات وخبرات ، فالمنهج يهتم بالمتعلم داخل المدرسة وخارجها .

مفهوم المنهج :
     هو مجموعة الخبرات والأنشطة التي تبنى من تحقيق الأهداف المنشودة لنظام أي مؤسسة تعليمية .

مفهوم آخر للمنهج :
     هو طريق يسلكه العقل وفق قواعد عامة ترشده وتقوده إلى الحقيقة ( القزويني ، ص 435) 

عناصر المنهج :
     الأهداف التربوية
     المحتوى ( المادة العلمية )
     طرق التدريس
     الأساليب والأنشطة والخبرات
     الوسائل المعينة والتعليمية
     التقويم : تقويم الطالب ، تقويم العملية التعليمية ، تقويم المنهج

1- الأهداف التربوية والتعليمية :
     يعرف الهدف التربوي بأنه أي تغيير إيجابي يراد إحداثه في سلوك المتعلم كنتيجة لعملية التعلم ( همشري ، ص246)

     في النظام التربوي الإسلامي كان يبرز الهدف الديني خاصة في العصور الوسطى مع بناء الحضارة الإسلامية ، ومن هذا الهدف العام تنبثق أهداف عديدة ، وأهمها إعداد المسلم للحياة  الدنيا واستعداده وتهيئته للحياة الآخرة ، و كان يؤمن قادة ومربو النظام التربوي الإسلامي أن العلوم الشرعية أساس المعرفة ، ونقل عن الإمام الصادق –ع-  أن العلوم لا تخرج عن : أن تعرف ربك وأن تعرف ما صنع بك وأن تعرف ما أراد منك وأن تعرف ما يخرجك من دينك ( فيلض ، ص219 ، نقلاً عن أمالي الشيخ الطوسي ، ص20) ، وهذا أحد علماء الإمامية وهو يحدد أهداف التربية والتعليم في الإسلام وهو ينصح ابنه :

     " أريد من الله ان يلهمك ومنك ان تقبل إلهامه وأن تعلم الفقه الذي فيه السبيل إلى معرفة الحكام الشرعية وإحياء سنة جدك المحمدية ويكون قصدك بذلك امتثال أمر الله جل جلاله في التعليم وسلوك الصراط المستقيم " ( فياض ، ص219 ، نقلاً عن ابن طاووس ، كشف المحجة لثمرة المهجة ، ص126)    

     هذا وتعددت أهداف التربية عند كتاب ومفكري الإسلام : 

     - أهداف التربية في الإسلام : ( كتاب النظام التربوي في الإسلام ، باقر شريف القرشي ، ص182 )

     - طلب العلم لوجه الله سبحانه ، وهذا يعني أهمية العلم وقدسيته من خلال ما وصى به الله ونبيه (ص) يقول تعالى " فلو لا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون " ( التوبة /122)

     - نشر المعارف والفضائل .

     - إثارة الوعي الاجتماعي من خلال التعاون وبيان قيمة الشعور بالمسئولية وتحسين الحياة العامة وتخليصها من الفقر والجهل .

     - الدعوة إلى تماسك الأمة ووحدتها

أهداف التربية في الإسلام :
- معرفة الإنسان بنفسه وعالمه : ليعرف قيمته ، وما يحيط به وليعرف حقوقه وواجباته .

- معرفة ربه وتقوية العلاقة بين الخالق والمخلوق .

- تنمية مشاعر الحب والانسجام مع المحيط الاجتماعي وتقوية العلاقة مع الآخرين .

- إيجاد تفكير إسلامي منظم قائم على المنهج : التفكير والعمل .

- تنمية المواهب وإذكاء علو الهمة .

- بناء شخصية إنسانية وتفاعل كل عناصرها المادية والفكرية والروحية .

- توجيه طاقات الإنسان وتوظيفها في مجال الخير والبناء .

- تنمية الروح القيادية في النشء ( دور الأمة الرسالي ، دور الفرد ، قيادة المعصوم للبشرية .

أهداف الدراسة في جامعة أو حوزة النجف الأشرف :
     قال المصنف : كل من يقصد النجف لأجل الدراسة إنما يقصدها كغاية في حد ذاتها فالغاية طلب العلم في سبيل الله وليس طلب العلم وسيلة لغاية أخرى .

     والتقوى والدرس في سبيل الله هما دافعان الموجهان للدراسة ( الدجيلي ، ص 272) .

     في ضوء أهداف التربية في الإسلام يمكننا أن نقسم هذه الأهداف إلى أهداف عامة وأهداف خاصة كما هو الجاري في التربية الحديثة والمعاصرة .

     الأهداف العامة : وهي الأهداف الشاملة لكل المقررات الدراسية التي يتعلمها المتعلمون ، والأهداف الخاصة وتضم أهداف لكل مقرر دراسي أو تعليمي مثل :

     أهداف للفقه وأهداف للأصول وأهداف لتعلم القرآن وأهداف للحديث والرجال .

     ولم تكن الأهداف التعليمية أو التربوية مكتوبة عند معلمي الكتاب أو في المساجد .

     ولكنها ظهرت بشكل مكتوب ومدروس في المدارس الإسلامية  النظامية وفي الجامعات الإسلامية بعد ذلك .

مراحل التعليم عند الشيعة :
 - مرحلة الطفولة من سن الميلاد إلى سن السابعة :
     جاء في الحديث الشريف " اطلبوا العلم من المهد إلى اللحد " والحديث " أحبوا الصبيان وارحموهم " والحديث " وحق الصغير رحمته في تعليمه والعفو عنه والرفق به والمبالغة في تأديبه " والحديث " أكرموا أولادكم وأحسنوا أدبهم " والحديث " من كان عنده صبي فليتصاب له " والحديث " من كان له ولد صبا " ( مكارم الأخلاق ، الطبرسي ، ص222) ، وذكر بعض علماء المسلمين أن يتعلم الطفل مع السن الثالثة ( تنبيه الخواطر ونزهة النواظر ، أبو الحسن ورام ، ج2 ، ص21)

     هذا وقد نادى روسو الفيلسوف الفرنسي (1712-1778) أن يبدأ التعليم من الميلاد إلى السن الخامسة .

- مرحلة الصبا :
     من السن السابعة ويتعلم القرآن والقراءة والكتابة والحساب والخط وتعليم الصلاة بين السن السادسة أو السابعة ، وجاء تأكيد في رسالة الحقوق المنسوبة إلى الإمام علي بن الحسين –ع- " التعليم حق لكل إنسان " .

- مرحلة التكليف في السن 15 :
     يقول الكليني وجعلهم الله عز وجل صنفين : صنفا منهم أهل الصحة والسلامة وصنفا منهم أهل الضرر والزمانة ، فخص أهل الصحة والسلامة بالأمر والنهي بعدما أكمل لهم آلة التكليف ووضع التكليف عن أهل الزمانة والضرر إذ قد خلقهم خلقة غير محتملة للأدب والتعليم ( الكافي ،ج1 ، خطبة الكتاب " المقدمة "  ) في هذه المرحلة التعليم واجب أيضا على كل مكلف قادر على التعليم ويضيف الكليني أنه لا بد لكل صحيح الخلقة كامل الآلة من مؤدب ودليل ومشير ، وجاء في البحار للمجلسي رواية منسوبة إلى الإمام الصادق –ع- " لست أحب أن أرى الشاب منكم إلا غادياً في حالين إما عالماً أ ومتعلماً " وروى عن الإمام الباقر –ع- " ولا يسأم من طلب العلم طول عمره ( البحار ، ج1، ص114 ) 

- مرحلة الاجتهاد :
     في هذه المرحلة يكمل المتعلم مقدماته العلمية التي يتوقف عليها الاجتهاد مثل اللغة لعربية والمنطق والفقه والأصول والفلسفة والمعاني والبيان والحديث والرجال ، كذلك عليه دراسة الكتب الاستدلالية في الفقه وأصوله ، وبالتالي يتهيأ في استنباط الحكم الشرعي من مصادره  ( القزويني ، 1986 )


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق