الاثنين، 2 نوفمبر 2015

مقرر : النظام التربوي في الإسلام (1)




مقرر : النظام التربوي في الإسلام (1)
تأليف الباحث التربوي
عباس سبتي


الفهرس
مقدمة

الفصل الأول :

التربية : مفهوم ، أهداف ، أهمية ، أنواع ، عوامل : الوراثة ، الأسرة ، البيئة ، المدرسة

أسئلة تقويم الفصل الأول

الفصل الثاني :

مكونات النظام التربوي : السياسات والاستراتيجيات والإدارة التربوية والمنهج التعليمي والمعلمون والمتعلمون وأماكن التعليم وتمويل التعليم وسوق العمل 

أسئلة تقويم الفصل الثاني 

المراجع


مقدمة :
     النظام التربوي والتعليمي هو الوسيلة الأساسية لكل أمة من أجل الحفاظ على هويتها وبناء حضارتها وهو عبارة عن  منهج فكر وأسلوب حياة ونظام تنشئة للأجيال وإيجاد علاقة الإنسان بربه وبأخيه وبالحياة وبالكون .

     والمنهج في النظام التربوي الإسلامي يوجه الإنسان ليعيش في نفسه بالإيمان بربه ومع أفراد مجتمعه بالبذل والمحبة والتعاون والنصيحة، ومع الكون بالتفهم والتدبر والاستعداد لما بعد الموت ، وكان طلب العلم أو تعليمه من أنبل الأعمال التي يطلب بها العامل مرضاة الله  ، وطلب العلم فريضة كما روي عن النبي : اطلبوا العلم من المهد إلى اللحد ( فتح الباري ، ابن حجر ، ج1 ، ص121) .

     يتكون النظام التربوي التعليمي من عدة مكونات أو عناصر ، وهي السياسات العامة وفلسفة التربية  والإدارة التربوية  والمنهج الدراسي والمعلم والمتعلم والمبنى المدرسي والتمويل .

     يتكون هذا المقرر من فصلين  :
     الأول : التربية كمفهوم وأهداف وأهمية وعوامل مؤثرة فيها .

     والفصل الثاني : يتناول مكونات النظام التربوي الإسلامي ، هذا ويحتوي كل فصل على أسئلة تقويم تفيد المتعلم على فهم الموضوعات وإثراء المادة العلمية لديه .

     ويركز هذا المقرر على جانبين مهمين في مجال تربية النشء ، وهما الجانب التعليمي وطلب العلم وإدراك أهميته وقيمته على الفرد والمجتمع ، والجانب التربوي والأخلاقي .

أهداف دراسة هذا المقرر :
     إدراك أهمية التربية على مستوى الفرد والجماعة .
     إدراك قيمة التربية في الإسلام .
     تقوية العلاقة بين الخالق والمخلوق " شرح الحمد لله رب العالمين " .
     دور العالم في إرشاد وتوجيه أفراد الأمة .
     إيجاد وخلق الفرد الصالح والواعي .
     كيفية التعامل مع شرائح وفئات المجتمع .

الفصل الأول :
     التربية : مفهوم ، أهداف ، أهمية ، عوامل

تعريف التربية :
     مصطلح التربية مصطلح حديث لم يظهر في المعاجم الغربية  إلا عام 1549 ، وكان يستخدم المصطلح للدلالة على تربية النبات والحيوان وتهذيب البشر دون تفريق بينها حتى عام 1649 عندما قصد بالتربية تنمية الجسد والنفس والتركيز على العناية التي تقدم لتعليم الأطفال نفسياً وجسدياً .

     بينما نجد أن مصطلح التربية في الإسلام قد وجد مع الآيات الأولى للقرآن الكريم عندما خاطب تعالى نبيه الأمي " اقرأ باسم ربك الذي خلق  " وغيرها من الآيات في السور الأخرى وذلك قبل ألف وأربعمائة سنة .

     تختلف المفاهيم أو التعاريف حول التربية بسبب اختلاف الأشخاص ونظرتهم إلى الإنسان وأعراقهم وبيئاتهم  مثل العلماء والمفكرين والفلاسفة والتربويين .

مفهوم التربية لدى الأمم :
     تعددت مفاهيم التربية بتعدد المدارس التربوية وأهدافها ، فقد ذكر علماء التربية والتاريخ أقوام وحضارات اهتمت بالتربية والتعليم وظهرت فيها مدارس لها نظامها التربوي الخاضع لسلطان الدولة ، ومن هؤلاء الأقوام المصريين القدماء أو الفراعنة والإغريق والرومان ودولة الكنيسة ( النصارى )  والعرب الجاهلية والمسلمين .

     مفهوم التربية عن المصريين القدماء التعليم من أجل خدمة الفرعون أو من أجل خدمة المعبد إلى جانب تعلم الأخلاق الفاضلة .

     مفهوم التربية عن الإغريق ( اليونانيين ) هو خلق مواطن متدرب على صنوف القتال للدفاع عن الوطن ومواطن متعلم يسهم في العمل في الزراعة والتجارة والفلسفة .

     مفهوم التربية عن الرومان الاهتمام بالأخلاق ودور الأسرة في تربية الأبناء والاهتمام بالتربية العسكرية .

     مفهوم التربية عند الكنيسة في العصور الوسطى خلق إنسان ورع مسالم ومدافع عن تعاليم الكنيسة .

     مفهوم التربية عند عرب الجاهلية الانتماء إلى القبيلة والدفاع عنها .

تعريف جون ديوي :
     التربية هي الحياة وهي عملية تكيف بين الفرد وبيئه ( نصار وأحمد ، ص15)

مفهوم التربية لدى مفكري الإسلام :
     وهذه بعض التعريفات التي أدلى بها بعض مفكري وتربويي الإسلام عن التربية .

تعريف الغزالي :
     معنى التربية توجيه وإرشاد واصطفاء وانتقاء ( إحياء علوم الدين 3/60)  

تعريف عرفاعة الطهطاوي :
     التربية هي التي تبني خلق الطفل على ما يليق بالمجتمع الفاضل وتنمي فيه الفضائل التي تصونه من الرذائل وتمكنه من مجاوزة ذاته للتعاون مع أقرانه على فعل الخير .

تعريف ساطع الحصري :
     التربية هي تنشئة الفرد قوي البدن حسن الخلق صحيح التفكير محباً لوطنه مدركاً واجباته مزوداً بالمعلومات اللازمة له في حيته .

تعريف إسماعيل قباني :
     التربية هي مساعدة الفرد على تحقيق ذاته حتى يبلغ أقصى كمالاته المادية والروحية في إطار المجتمع الذي يعيش فيه ( كتاب مدخل إلى التربية ، همشري ، ص17)

تعريف مقداد يالجن :
     تنشئة وتكوين إنسانٍ سليم مسلم متكامل من جميع نواحيه المختلفة، من الناحية الصحية والعقلية والاعتقادية، والروحية الاعتقادية، والإدارية والإبداعية " ( أهداف التربية الإسلامية وغاياتها. مقداد يالجن: ص 20)

تعريف الشهيد الثاني :
     كمال الإنسان إنما هو بالعلم الذي يضاهي به ملائكة السماء ويستحق به رفيع الدرجات في العقبى مع جميل الثناء في الدنيا (منية المريد ، ص 17)  

 تعريف باقر القرشي :
     تكوين الإنسان الصالح الذي يتسابق في ميادين الخدمة الاجتماعية ويسعى إلى تحقيق التكامل في بيئته ومجتمعه ( النظام التربوي ، ص 33)

أهمية التربية والتعليم في الإسلام  :
     حث الشارع المقدس بمحكم كتابه العزيز على فضل العلم وحامله قال تعالى " هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون "( الزمر /9) ، هذا وقد جاء في السنة النبوية على فضل العلم وطالبه ، فقد روي عن النبي (ص) أنه قال " اطلبوا العلم من مظانّه، واقتبسوه من أهله، فإن تعلّمه لله حسنة، وطلبه عبادة... وتعليمه من لا يعلمه صدقة، وبذله لأهله قربة إلى الله تعالى، لأنّه معالم الحلال والحرام، ومنار سبل الجنّة، والمؤنس في الوحشة، والصاحب في الغربة والوحدة، والمحدّث في الخلوة، والدليل على السرّاء والضرّاء، والسلاح على الأعداء، والزين عند الأخلاّء، يرفع الله به أقواماً، فيجعلهم في الخير قادة تقتبس آثارهم، ويُهتدى بفعالهم، ويُنتهى إلى رأيهم، وترغب الملائكة في خلّتهم، وبأجنحتها تمسحهم، وفي صلاتها تبارك عليهم " (البحار 1/171) ، و روي عن الإمام السجاد إن طالب العلم لم يضع رجله على رطب ولا يابس  من الأرض إلا سبحت له الأرضون السبع ( البحار ، ج1 ص186) وجاء  التأكيد على أهمية تربية الأولاد ورعايتهم ، فلا تجد كتاب من كتب الحديث عن العامة والخاصة إلا وفي أول أبوابها تخصيص عن العلم وفضله ، مثل :
     " العلماء ورثة الأنبياء " ( بصائر الدرجات ، الصفار )
     " من سلك طريقاً يطلب فيه علماً سلك الله به طريقاً إلى الجنة "  ( الكافي ، كتاب فضل العلم ، باب فضل العالم والمتعلم ، ح1 )

     " كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته، الإمام راعٍ ومسئول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها.. " ( البخاري ، كتاب الجمعة )

     " ما من عبد يسترعيه الله رعية فلم يُحطها بنصحه إلا لم يرح رائحة الجنة " ( صحيح مسلم ، كتاب الإيمان )

     " لأن يؤدِّب الرجل ولده خير من أن يتصدق بصاع " ( سنن الترمذي ، كتاب البر والصلة )

     " فضل العالم على العابد سبعين درجة " (منية المريد ، الشهيد الثاني ، ص23)

أنواع التربية في الإسلام :
     ذكر بعض الكتاب والباحثين الإسلاميين أن للتربية أنواعاً وهي تعد من أساليب  التعليم والتعلم كما هو في المدارس المعاصرة :

التربية بالملاحظة :
     والمقصود بالتربية بالملاحظة ملاحقة الولد وملازمته في التكوين العقيدي والأخلاقي، ومراقبته وملاحظته في الإعداد النفسي والاجتماعي، والسؤال المستمر عن وضعه وحاله في تربيته الجسمية وتحصيله العلمي"، وهذا يعني أن الملاحظة لا بد أن تكون شاملة لجميع جوانب الشخصية (  تربية الأولاد في الإسلام، عبد الله ناصح علوان، 2/691 – 698  )

     ينبغي الحذر من التضييق على الولد ومرافقته في كل مكان وزمان، لأن الطفل وبخاصة المميز والمراهق يحب أن تثق به وتعتمد عليه، ويحب أن يكون رقيباً على نفسه، ومسئولاً عن تصرفاته، بعيداً عن رقابة المربي، فتتاح له تلك الفرصة باعتدال .

التربية بالعادة :
     وتشمل الأعمال العبادية والآداب الاجتماعية وأنماط السلوك الحسن .

     يبدأ تكوين العادات في سن مبكرة جداً، فالطفل في شهره السادس يبتهج بتكرار الأعمال التي تسعد من حوله، وهذا التكرار يكون العادة، ويظل هذا التكوين حتى السابعة ، وحرص الإسلام أن لا تحول العادة إلى دلال فتفسد التربية مع الولد .

     وترجع أهمية التربية بالعادة إلى أن الحسن الخلق كسلوك إيجابي يغرس من خلال الطبع والفطرة والتعود والمجاهدة والتكرار .

التربية بالإشارة :
     وهي عبارة عن إصدار إشارة وحركة من اليد أو تغير ملامح الوجه عند حصول عمل غير مرغوب به لدى المتعلم أو الطفل ، خاصة وهو في جماعة من الناس وهذه الإشارة تجعله يرتدع عن فعله غير اللائق خاصة إذا لم يكن معانداً .

التربية بالموعظة :
     الموعظة عبارة عن إرشاد توجيه حال صدور سلوك غير سوي ، تشتمل  الموعظة : الموعظة من خلال قصة هادفة وحوار هاديء  وضرب الأمثلة واستغلال الحدث والواقعة .

التربية بالترهيب والترغيب :
     الترهيب والترغيب من العوامل الأساسية لتنمية السلوك وتهذيب الأخلاق وتعزيز القيم الاجتماعية .

     والترغيب على نوعين : معنوي ومادي، ولكل درجاته فابتسامة الرضا والقبول  والتقبيل والضم والثناء وكافة الأعمال التي تبهج الطفل هي ترغيب في العمل. 

     الترهيب أثبتت الدراسات الحديثة حاجة المربي إلى الترهيب، وأن الطفل الذي يتسامح معه والداه يستمر في إزعاجهما ، والعقاب يصحح السلوك والأخلاق، والترهيب له درجات تبدأ بتقطيب الوجه ونظرة الغضب والعتاب وتمتد إلى المقاطعة والهجر والحبس والحرمان من الجماعة أو الحرمان المادي والضرب وهو أخر درجاتها .

التربية بالقدوة :
     يحس الطفل بالحاجة إلى الانضواء تحت راية كائن مرموق، فيتجه إلى الاقتداء بالوالدين أو الإخوة أو المعلمين أو الأصدقاء، ثم يتحول الاقتداء إلى عملية فكرية يمتزج فيها الوعي والانتماء بالمحاكاة والاعتزاز، ويظل محتاجاً إلى القدوة في كل مراحل حياته ،  وأهمية أسلوب الاقتداء هي أنه من عوامل الإصلاح وكلما كبر الطفل تعدد الأشخاص الذين ينالون إعجابه ويقتدي بهم كالرفقة والمعلم والجار، وقد تكون بيئة الطفل واسعة، فيها الجد والجدة واللذين يؤثران في سلوك الطفل لعلاقتهما الحميمة به، كما أن وجود الخدم والمربيات واهتمامهم بالطفل يجعله مقتدياً بهم، يقتبس من سلوكهم حسب محبته لهم واختلاطه بهم ومن الخطأ أن يعجب الوالدان بتقليد ولدهما للاعب أو ممثل أو مغن ولو كان ذلك التقليد طريفاً، لأن هذا يغرس محبة القدوة السيئة في نًفس الطفل دون شعور الوالدين، ومن الخطأ كذلك شراء الملابس أو الأدوات التي تحمل صور المنحرفين أو أسمائهم أو ألبستهم الخاصة لأن هذا يورث الاقتداء بهم .

     ومن المؤرخين من صنف التعليم والتربية في النظام الإسلامي إلى : تعليم في الكتاتيب ( جمع الكتاب ) حيث يتعلم الطفل في السن السادسة أو السابعة قراءة القرآن وحفظه وتعلم مباديء الحساب والخط ، وهناك تعليم العلوم الشرعية من الفقه والأصول والحديث والتفسير وعلم الكلام والفلسفة  وحضور مجالس العلماء .

أهداف التربية :
     تعكس هذه الأهداف فلسفة المجتمع وعقائده وعادات الشعوب ، لذا الأهداف تختلف من حضارة إلى حضارة ومن عرق وجنس إلى آخر ومن مكان إلى مكان ومن زمان إلى زمان .

     وقد تكون الأهداف التربوية إما أهداف روحية أو أهداف فكرية أو أهداف نفسية أو أهداف بدنية  أو أهداف مادية أو أهداف اجتماعية .

     وإذا كانت الدنيا هدف التربية عند اليونان والرومان وكانت الآخرة والتحضير لها غاية التربية المسيحية، فقد حض الإسلام على الجمع بين الاثنين. قال تعالى في كتابه العزيز (وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا) وقال (ص): " أعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً وأعمل لآخرتك كأنك تموت غداً ". وعلى هذا فقد كانت غاية التربية الإسلامية أن تهيئ الطفل لدنيا يعيش فيها كعضو نافع  بالمقدار الذي لا يفسد دينه ولا يصرفه عن آخرته.

     أصحاب الديانات السماوية ومنها نبي الإسلام ( ص) يركزون على الأهداف الروحية والمعنوية وهو أن غرض التربية والتعليم هو طلب العلم لطلب مرضاة الله سبحانه ، وتزكية النفس إلى جانب الأهداف الأخرى مثل معرفة الله وطاعته ومعرفة النفس وبواطن القوة والضعف فيها وإقامة العدالة الاجتماعية والإيمان بيوم المعاد وعمارة الأرض ( التسخير والاستعمار )   

     وأما بقية الأهداف فهي تأتي بعد ذلك ، بينما الحضارات المادية السابقة وقبل  حضارة الإسلام ترى أن الاهتمام بتربية النشء إنما يكون عن طريق التربية العسكرية وتقوية الأبدان على الصعاب والمشاق كما بالنسبة للأغريق والرومان وغيرهم من أجل بسط النفوذ وتوسعة رقعة الإمبراطورية  أو تربية فكرية من أجل جدال الآخرين خاصة بين الفلاسفة والمفكرين .

     اتفق التربويون قديماً وحديثاً على كثير من الأهداف التي تدخل ضمن تربية ورعاية الأطفال وتتفق مع مراحل نموهم الجسمي والنفسي والعقلي والاجتماعي  ، وقد ينظر المجتمع إلى شمولية أهداف التربية ولكن الأهداف العامة قلما تنفذ على أرض الواقع خاصة ما تزخر  بها المناهج الدراسية على هذه الأهداف لكن بعضها صعب المنال ، ذلك عندما يريد منفذو هذه المناهج من تحويل هذه الأهداف العامة إلى أهداف خاصة وأهداف تطبق في الميدان ، وبالتالي لا تتحقق أمانيهم وقد يلقون اللوم على معلمي المواد الدراسية ، لماذا؟ لوجود أهداف ليست محددة أو واضحة التي يمكن الاعتماد عليها في بناء المنهج التعليمي أو تحديد طرق تدريسها المناسبة أو تحديد أساليب تقويمها ، ولا تعبر عن السلوك المتوقع للطالب ، على الرغم من صياغة أهداف سلوكية لكل درس ، ثم أن كثيراً من المعلمين يركزون على المعرفة والفهم بينما بقية المجال المعرفي مثل التطبيق والتحليل والتركيب والتقويم ليس لها دور في تقويم الطالب كذا المجال الوجداني والمجال النفس حركي من مجالات تصنيف " بلوم" لا تلقى الاهتمام من قبل المعلمين .

تحتاج صياغة الأهداف إلى مصادر لاشتقاقها :
     - الدين الإسلامي بمنهجه الشامل ونظرته إلى الإنسان والكون والحياة .
     - طبيعة المجتمع وحاجاته وطموحاته .
     - طبيعة الفرد المسلم ومطالب نموه
     - خصائص العصر واتجاهاته العلمية والتربوية ( الدوسري ، ص 563)    

     وقد قام التربوي تيلور في الأربعينات من القرن الماضي إلى تصنيف الأهداف التعليمية للمواد الدراسية ، ولما لهذه الأهداف من دور في صياغة المنهج وطرق التدريس والأنشطة الصفية وغير الصفية والتقويم ، وأن أهداف المنهج الدراسي يجب أن تراعي حاجات المتعلم وحاجات المجتمع والطبيعة العلمية للمادة الدراسية  ( الدوسري ، ص441)
 
العوامل المؤثرة في التربية :
     توجد عوامل عديدة وراء تأثر التربية وعدم قيامها بوظيفتها وانحراف في مسارها .

     وقد كان المربون في الماضي يرجعون العوامل المؤثرة في التربية إلى عاملي الوراثة والبيئة ، ولكن مع تعقد الحياة واختراع وسائل الترفيه والملهيات فأن هذه العوامل كثرت وتداخلت فيما بيتها ، وليس هناك عامل رئيس أو عامل واحد فقط وراء تعطيل دور التربية ، وقد تكون الأسرة أول وسيط بيئي يولد فيه الطفل ويكتسب عاداته وقيمه وما يحمله من صفات وراثية تؤثر إيجاباً وسلباً في تعليمه ثم ينتقل إلى المدرسة وبكون له أصدقاء ورفقاء اللعب ولهم تأثير على مجرى حياته بعد بلوغ مرحلة المراهقة ، ثم ينخرط في مؤسسات العمل وقد يتأثر بدرجة وأخرى بزملاء العمل ، ولعل دور أجهزة الأعلام وثورة الاتصالات السلكية واللاسلكية أصبح واضحاً في تغيير مفاهيم الناس وخاصة فئة المراهقين والشباب ، بل ظهر ما يعرف بإدمان الانترنت لدى الناس والشباب خاصة وما لهذا الإدمان من آثار سلبية ( سبتي ، الإدمان على استخدام الانترنت ، 2010 )

الوراثة :
     الوراثة عبارة عن الصفات التي يرثها الطفل من أبويه وهذه الصفات هي الجينات التي تنتقل من خلال البويضة للأنثى والحيوانات المنوية للرجل وتشكل خلية أو نطفة للجنين ، وهذه الصفات إما جسمية أي الشكل الخارجي لجسم الإنسان أو عقلية وهي درجة ونسبة الذكاء والفهم والحفظ أو نفسية وهي المشاعر والانفعالات والحالات الإيمانية ، والصفات الأخلاقية الإيجابية مثل الكرم والصبر والشجاعة والإيثار وحسن الخلق والتواضع والصفات السلبية مثل البخل والتهور والأنانية والتكبر واجتماعية وهي درجة توافقه وتفاعله مع الآخرين وقابليته للتعاون والمساعدة والبناء الاجتماعي .

     وقد أكد علماء النسب على الصفات الوراثية التي تظهر في أفراد القبائل تجعل القبيلة تمتاز عن غيرها بصفات ثابتة بل وتشكل هذه الصفات نوع السلوك والحرف التي يزاولها أفرادها على مر العصور ، فقبيلة تمتاز بالشجاعة وقبيلة يتصف أفرادها بالجبن وقبيلة تمتاز بالكرم وقبيلة يمتاز بعض أفرادها بالنبوغ والذكاء وقبيلة يمارس أفرادها الزراعة .

     لقد أشارت بعض الدراسات إلى وجود علاقة بين عامل الوراثة وانحراف الأحداث إذ أن أكثر السلوك الإجرامي الذي يظهر على الأحداث بسبب انحراف الأبوين أو أحدهما بعد دراسة شجرة العائلة في الاجرام ، أو ضعف عقل الحدث وقلة ذكائه الذي ورثه من أبويه أو من أحدهما  ، على الرغم من أن بعض المهتمين بشئون جرائم الأحداث يقللون من شأن الوراثة وأن دوره محدود في انحراف الأحداث و يركزون على عامل البيئة الاجتماعية ورفقاء السوء كسبب أهم في إجرام الحدث .

     دور الأسرة المسلمة هام في كيفية التعامل مع عامل الوراثة وإيجاد الذرية السوية والصالحة ، فبمقدار دقة كلا الزوجين في حسن اختيار الزوج وفق الشرع وحرصه على أن يكون من سلالة طاهرة ومنبت صالح وعلى أن يكون خالياً من العيوب الوراثية الجسمية والعقلية والخلقية ، وفحص الدم للتعرف على الأمراض الوراثية للزوجين كما يطبق هذا الشرط في كثير من دول العالم قبل الزواج  ، يتحقق في النسل الآثار التربوية الصالحة للوراثة ويعصم من آثارها السيئة بإذن الله تعالى إن ذلك يمتد إلى مرحلة سابقة لزواج آبائهم بأمهاتهم فيبدأ منذ أن يفكر أحد الأبوين في اختيار شريكه في الحياة فضلاً عن ذلك فإن بإمكان الأسرة القضاء على كثير مما يظهر لدى الأطفال من صفات وراثية سيئة أو تعديلها  وتوجيهها في غير الاتجاه الضار ، فإن كانت الأسرة رشيدة في مناهج التربية وقت الناشئة من شرور هذه الصفات الضارة وإلا جلبت على الناشئة أضراراً وراثية بليغة تلازمهم والأجيال المتعاقبة .

     إضافة إلى ذلك فإن معظم الصفات الوراثية الإيجابية والسلبية توجد في الطفل بالقوة لا بالفعل أي على صورة استعدادات واتجاهات فإن وجد في محيط الأسرة وجوها بيئة مواتية نما وترعرع وإلا ذوي وذبل؟  وهذا يعني أن الصفات الوراثية السلبية كالجبن والبخل والتهور قد  تزال ويحل محلها صفات إيجابية كالكرم والصدق والإيمان من خلال التوجيه والإرشاد والتربية  ، وبالتالي عامل الوراثة ليس سبباً رئيساً في سوء التربية لذا كم من كافر ومشرك كان له أبناء دخلوا في الإسلام عندما دعا النبي (ص) إلى دعوته ، ولكن ما تفسير قول النبي نوح –ع- :" إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجراً كافراً " ( نوح /27) يستفاد أن نوحاً عرف من مصدر الغيب والوحي أن أبناء الكفار سيولدون على عقيدة الكفر والشرك ( تفسير الميزان ، الطباطبائي ، ج19 ، ص 36)  وهنا يأتي دور البيئة وأثرها في اتباع الأبناء ملة آبائهم .

     في العصر الحديث ظهر علم جديد يتناول دراسة الصفات الوراثية وإمكانية التخلص من الأمراض الوراثية مثلاً ، يسمى هذا العلم ب " هندسة الوراثة " .

الهندسة الوراثية :
     علم يهتم بدراسة التركيب الوراثي للمخلوقات الحية من نبات وحيوان وإنسان بهدف معرفة القوانين المتحكمة بالصفات الوراثية لهذه المخلوقات على أمل التدخل في تلك الصفات تدخلا ايجابيا وتعديلها أو إصلاح العيوب التي تطرأ عليها، ومنذ بداية الأبحاث في الهندسة الوراثية كان أحد أهداف التقنية في نقل الجينات هو علاج الإنسان من الأمراض الوراثية التي أخذت اهتماما كبيرا من الأطباء والباحثين لإيجاد علاج فعال وجذري لها، إذ تظهر الأمراض الوراثية عند الولادة أو بعد فترة قصيرة من الولادة إلى جانب حالات أخرى قد لا تظهر إلا بعد منتصف العمر أو في أواخره وكل ذلك بسبب عطل في الجين ومادته الرئيسة المكونة من الأحماض النووية، وهذا الخلل يحدث نتيجة طفرة في الجين، وقد نجح العلماء في تجارب على كثير من البروتينات المهمة لحاجة الجسم الدفاعية أو الفسلجية، وهكذا فلأن الحلم الذي كان يراود الكثير من الباحثين لاستخدام الهندسة الوراثية في علاج الأمراض الوراثية في الإنسان أضحى منظورا باتجاه تصحيح الخلل في الجين وأدت هذه الاكتشافات العلمية إلى أن يمنح العديد من الباحثين البارزين جوائز علمية مثل جائزة نوبل في الطب والكيمياء، وليس بالشيء المستغرب أن يكون لهذه القدرة على زرع قطع معينة من الحامض النووي ودراسة سلوكها في ظروف جديدة خاضعة لسيطرة العلماء آثار واحتمالات بالغة من الناحيتين العلمية والاجتماعية، فهي من ناحية توفر الفرصة لإجراء التحليلات المفصلة ومالها من أجهزة وتنظيمات معقدة وهي تبيح من ناحية أخرى استخدام البكتريا في إنتاج مواد للعلاج على أساس واسع .

الأسرة :
     إن الأسرة أحد العوامل الأساسية في بناء الكيان التربوي وإيجاد عملية التطبيع الاجتماعي، وتشكيل شخصية الطفل واكتسابه العادات التي تبقى ملازمة له طوال حياته، فهي البذرة الأولى في تكوين نمو الفرد و بناء شخصيته، فأن الطفل في أغلب أحواله مقلد لأبويه في عاداتهما وسلوكهما فهي أوضح مقصدًا وأقل تنظيمًا، وأكثر إحكامًا من سائر العوامل التربوية.

أهمية الأسرة
     إن الأسرة لها أثر ذاتي في التكوين النفسي في تقويم السلوك الفردي وبعث الحياة والطمأنينة في نفس الطفل, فمنها يتعلم الطفل اللغة ويكتسب بعض القيم  والاتجاهات, وقد ساهمت الأسرة في طريق مباشر في بناء الحضارة الإنسانية وإقامة العلاقات التعاونية بين الناس ولها يرجع الفضل في تعليم الإنسان لأصول الاجتماع, وقواعد الآداب والأخلاق, كما هي السبب في حفظ كثير من الحرف والصناعات التي توارثها الأبناء عن آبائهم  وذلك في العصور القليلة الماضية  ( القرشي ، ص70) 

واجبات الأسرة
     إن الأسرة مسئولة عن نشأة أطفالها نشأة سليمة متسمة بالاتزان والبعد عن الانحراف, وعليها واجبات ملزمة برعايتها هي:-

 أولا:
     إن تشيع في البيت الاستقرار والود والطمأنينة وأن تبعد عن جميع ألوان العنف والكراهية, والبغض فأن أغلب الأطفال المنحرفين الذين تعودوا على الإجرام في كبرهم, كان ناشئاً ذلك  على الأكثر من عدم الاستقرار العائلي الذي فنيت به الأسرة , كما أشارت الدراسات التربوية والاجتماعية .

     يقول بعض المربين :نحن لو عدنا إلى مجتمعنا الذي نعيش فيه فزرنا السجون والشوارع ومستشفيات الأمراض العقلية. ثم دخلنا المدارس وأحصينا الراسبين من الطلاب, والمشاكسين منهم والمتطرفين في السياسة, والذاهبين إلى أبعد الحدود, ثم درسنا من نعرفهم من هؤلاء لوجدنا إن غالبيتهم  حرموا من الاستقرار العائلي, ولم يجدوا معظمهم بيتا هادئا فيه أب يقسو  عليهم, وأم لم تدرك معنى الشفقة, فلا تفرط في الدلال ولا تفرط في القسوة وفساد البيت أوجد هذه الحالة من الفوضى الاجتماعية, أوجد هذا الجيل الحائر الذي لا يعرف هدفا ولا يعرف له مستقراً .

     إن إشاعة الود والعطف بين الأبناء له أثر بالغ في تكوينهم تكوينا سليما, فإذا لم يرع الآباء ذلك فان أبناءهم يصابون بعقد نفسية تسبب لهم كثيراً من المشاكل في حياتهم ولا تثمر وسائل النصح والإرشاد التي يسدونها لأبنائهم ما لم تكن هناك مودة صادقة بين أفراد الأسرة, وقد ثبت في علم النفس أن أشد العقد خطورة, وأكثرها تمهيداً للاضطرابات الشخصية هي التي تتكون في مرحلة الطفولة الباكرة خاصة من صلة الطفل بوالديه كما إن تفاهم الأسرة وشيوع المودة فيما بينهم يساعد على نموه الفكري وازدهار شخصيته.

ثانياً :
     إن تشرف الأسرة على تربية أولادها وقد نص علماء الاجتماع على ضرورة ذلك وأكدوا أن الأسرة مسئولة عن عمليات التنشئة الاجتماعية التي يتعلم الطفل من خلالها خبرات الثقافة  وقواعدها في صورة تؤهله فيما بعد لمزيد من الاكتساب, وتمكنه من المشاركة التفاعلية مع غيره من أعضاء المجتمع كما أكد علماء التربية على أهمية تعاهد الآباء لأبنائهم, بالعطف والحنان والحب عليهم والرأفة بهم حفظاً وصيانة لهم من الكآبة والقلق, وقد ذكرت مؤسسة اليونسكو في هيئة الأمم المتحدة تقريرا مهما عن المؤثرات التي تحدث للطفل من حرمانه من عطف أبويه جاء فيه :

      إن حرمان الطفل من أبيه وقتيا كان أم دائمياً - تثير فيه كآبة وقلقا مقرونين بشعور الإثم والضغينة, ومزاجا عاتيا ومتمرداً, وخورا في النفس, وفقداً لحس العطف العائلي, فالأطفال المنكوبون من حرمانهم من آبائهم ينزعون إلى البحث في عالم الخيال عن شيء يستعيضون به عما فقدوه في عالم الحقيقة, وكثيرًا ما يكونون في مخيلتهم صورة الأب مغوارا أو ألام من الحور.... وقد لوحظ في معاهد الأطفال أنه كانت صحة الطفل البدنية, ونموه العضلي وضبط دوافعه الإرادية تتفتح وتزدهر بصورة متناسقة في تلك المعاهد, فان انفصاله عن والديه قد يؤدي من جهة أخرى إلى ظهور بعض العيوب كصعوبة النطق وتمكن العادات السيئة منة وصعوبة نمو حسه العاطفي .

     إن أفضل طريقة لحفظ الأبناء مصاحبتهم ومراقبتهم, ويرى المربون المحدثون(أن أفضل ميراث يتركه الآباء إلى أبنائهم هو أن  بضع دقائق من وقته كل يوم يخصصها لهم ) ويرى بعض علماء الاجتماع والباحثون في إجرام الأحداث ( أن أفضل السبل للقضاء على انحراف الأحداث هو أن تلقط الآباء الأطفال من الشوارع ليلا) وإذا قام الأب بواجبه من مراقبة أبنائه  ومصاحبتهم فأنه من دون شك يجد ابنه صورة جديدة منه فيها كل خصائصه ومميزاته وانطباعاته ، وعلى الآباء أن يتركوا مجالس اللهو ويعكفوا على مراقبة أبنائهم حتى لا يدب فيهم التسيب  والانحلال .

ثالثاً :
     يرى بعض المربين إن من واجبات الآباء والأمهات تجاه أطفالهم هو تطبيق ما يلي:

     يجب أن يتفق ألام والأب على معايير السلوك وأن يؤيد كل منها الآخر فيما يتخذاه من  قرارات نحو أولادهما.

     ينبغي أن يكون وجود الأطفال مع الأب بعد عودته من العمل جزءاً من نظام حياته اليومي فالأطفال الصغار يكونون بحاجة إلى الشعور بالانتماء, وهم يكسبون هذا الشعور من مساهمتهم في حياة الأسرة.

     ينبغي أن يعلم الأطفال أن الأب يحتاج إلى بعض الوقت ليخلو منه إلى نفسه كي يقرأ أو يستريح أو يمارس هوايته.

     تحتاج البنت إلى أب يجعلها تشعر بأنوثتها, وأنها من الخير أن تكون امرأة تتمتع بالفضيلة والعفاف.

     يحتاج الأبناء إلى أب ذي رجولة وقوة على أن يكون في نفس الوقت عطوفاً حسن الإدراك فالأب المسرف في الصلابة والتزمت يدفع ابنه الارتماء في حضن أمه طالباً الحماية والى التقليد بأساليبها الخاصة (   القرشي ، ص72)

     وللأسرة وظائف حيوية مسئولة عن رعايتها, والقيام بها وهذه بعضهاإنها تنتج الأطفال وتمدهم بالبيئة الصالحة لتحقيق حاجاتهم البيولوجية والاجتماعية, وليست وظيفة الأسرة مقتصرة على إنتاج الأطفال فان الاقتصار عليها يمحو الفوارق الطبيعية بين الإنسان والحيوان.

     إنها تعدهم للمشاركة في حياة المجتمع, والتعرف على قيمة, وعاداتهم.

     إنها تمدهم بالوسائل التي تهيئ لهم تكوين ذواتهم داخل المجتمع.

     مسؤوليتها عن توفير الاستقرار والحماية والأمن والحنو على أطفالهم مدة طفولتهم فأنها أقدر الهيئات في المجتمع على القيام بذلك لأنها تلقي الطفل في حال صغره ولا تستطيع مؤسسة عامة أن تسد مسد الأسرة في هذه الشؤون.

     على الأسرة أن تقطع جزءاً كبيراً من واجب التربية الخلقية والوجدانية والدينية في جميع مراحل الطفولة...ففي الأمم التي تحارب مدارسها الرسمية الدين بطريقة مباشرة أو غير مباشرة, كذلك الأمم التي تسير معاهدها على نظام الحياد في شؤون الدين والأخلاق كفرنسا وغيرها فيقع العبء الديني على الأسرة فعلى الأسرة أن تكون لدى الفرد الروح الدينية وسائر العواطف الأسرية التي تؤهله للحياة في المجتمع والبيت.

     إن فترة الطفولة تحتاج إلى مزيد من العناية والإمداد بجميع الوسائل التي تؤدي إلى نمو الطفل الجسمي والنفسي والعقلي والاجتماعي, وأن أغلب الآراء تقول بأن الوظيفة الوحيدة للأسرة إمدادها للأبناء بالمال اللازم لهم, فأن هذا القول قد تجاهل العوامل النفسية المختلفة التي لابد منها لتكوين الفرد الإنساني المشبع بالحنان والعطف, والأمن والطمأنينة فأن هذه المشاعر  لازمة لنمو الطفل نفسي ويجب أن تتوفر له قبل كل شيء.

     لقد أكد علماء النفس والتربية على أن للأسرة أكبر الأثر في تشكيل شخصية الطفل, وتتضح أهميتها, أما مبدأ البيولوجي الذي ينص على ازدياد قابلية للتشكيل وازدياد المطاوعة كلما كان الكائن صغيرًا بل يمكن تعميم هذا المبدأ على القدرات السيكولوجية في المستويات المتطورة المختلفة.

الأسرة في الإسلام :
     اهتم الإسلام بتربية الأبناء قبل الولادة حيث حث على اختيار الزوج أو الزوجة المناسبين والسويين ، وهناك روايات على حرمة أو كراهة الزواج من شارب الخمر كما في قول الرسول (ص) : " ولا تزوجوه إذا خطب" ( الريشهري ، منتخب كيزان الحكمة ، الخمر ) ومن المرأة الحمقاء كل ذلك لوجود أثر الوراثة على الأبناء  فقد روي عن النبي (ص) أنه قال :" تخيروا لنطفكم فإن النساء يلدن أشبه إخوانهم وأخواتهن " ، وروي عنه (ص) :" إياكم وتزوج الحمقاء فإن صحبتها ضياع وولدها ضباع " ( الريشهري ، منتخب ميزان الحكمة ، الزواج ) 

     لقد أقام الإسلام نظام الأسرة على أسس سليمة تتفق مع ضرورة الحياة وتتفق مع حاجات الناس واعتبر الغريزة العائلية من الغرائز الذاتية التي منحها الله للإنسان وقال ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم  أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً   )   الروم /21) فهذه الظاهرة التي فطر عليها الإنسان منذ بدء تكوينه من آيات الله ومن نعمة الكبرى على عباده.

     إن الإسلام يسعى إلى جعل الأسرة المسلمة قدوة حسنه طيبة تتوفر بها عناصر القيادة الرشيدة قال تعالى عن عباده الصالحين ((وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ))  ( الفرقان/74) وأهم قاعدة من قواعد التربية أن توجد عملياتها التربوية القدوة الحسنة, والمثل الأعلى للخير والصلاح.

     وعلى أي حال فأن نظام الأسرة الذي سنه الإسلام يقوم على أساس من الوعي والعمق لما تسعد به الأسرة ويؤدي إلى تماسكها وترابطها من الناحية الفسيولوجية, والنفسية, والاجتماعية, بحيث ينعم كل فرد منها, ويجد من ظلالها الرأفة والحنان والدعة والاستقرار.

     إن الإسلام يحرص كل الحرص على أن تقوم الرابطة الزوجية - التي هي النواة الأولى للأسرة- على المحبة, والتفاهم والانسجام, وهي الزواج المثالي الذي ينشده الإسلام في الرابطة الجنسية أن تكون مثالية وتقوم على أساس وثيق من الحب والتفاهم حتى تؤدي العمليات التربوية الناجحة في تكوين المجتمع السليم.

تحديات تواجه الأسرة المسلمة   :
     التحديات كثيرة تواجه الأسرة التي تحول دون أداء دورها التربوي والأخلاقي ومنها تحديات التقنيات الحديثة كالتلفاز وما يعرضه من أفلام كرتونية تعود الطفل على العادات السيئة مثل الشجار والاعتداء على الأطفال وتدمير ممتلكات العير، والطفل  يتقمص شخصية الكرتون في إظهار القوة أو تتولد لديه صفة العناد وعدم الانصياع لتوجيهات الأب والأم ،  أو ما يعرض من مسلسلات وأفلام الإجرام والمغامرات التي يهتم بها المراهقون وتكون مادة دسمة ومشجعة لارتكاب المراهق بعض التجاوزات التي يمنعها القانون كالسرقة والاعتداء على الغير وإتلاف المرافق العامة والتدخين وتعاطي المخدرات  ، وشبكة الانترنت التي تعرض بعض المواقع الاكترونية التي شجع على ممارسة الجنس ( الفيسبوك والتويتر ) ، وجهاز النقال الذي يسهل كتابة الرسائل النصية (SMS   ) واستخدامها في عقد علاقات محرمة بين الشباب والشابات ، ووسيلة للتواصل بين الذكر والأنثى من خلال المحادثة المحرمة .

مرحلة المراهقة :
     هذه المرحلة من أهم المراحل التي يمر بها الفرد وهي لا تعد من التحديات التي تواجه الأسرة إلا إذا لم تستطع الأسرة التعامل معها بحكمة ودراية ، وفي هذه المرحلة ينضج الطفل من جميع النواحي الجسمية والنفسية والعقلية والاجتماعية .

     وهناك مشاكل عديدة يعاني منها المراهق وتجعله يسبب تحديات لأسرته ومجتمعه من أبرزها .

الصراع الداخلي:
     حيث يعاني المراهق من وجود عدة صراعات داخلية، ومنها: صراع بين الاستقلال عن الأسرة والاعتماد عليها، وصراع بين مخلفات الطفولة ومتطلبات الرجولة أو الأنوثة.

الاغتراب والتمرد:
     فالمراهق يشكو من أن والديه لا يفهمانه، ولذلك يحاول الانسلاخ عن مواقف وثوابت ورغبات الوالدين كوسيلة لتأكيد وإثبات تفرده وتمايزه، وهذا يستلزم منه معارضة سلطة الأهل .

السلوك المزعج:
     والذي يسببه رغبة المراهق في تحقيق مقاصده الخاصة دون اعتبار للمصلحة العامة أو مصلحة الأسرة ، وبالتالي قد يصرخ و يشتم وسرق و يركل الصغار ويتصارع مع الكبار و يتلف الممتلكات و يجادل في أمور تافهة   ويتورط في المشاكل و يخرق حق الاستئذان ولا يهتم بمشاعر غيره.

العصبية وحدة الطباع:
     فالمراهق يتصرف من خلال عصبيته وعناده، يريد أن يحقق مطالبه بالقوة والعنف الزائد، ويكون متوتراً بشكل يسبب إزعاجاً كبيراً للمحيطين به.

مشكله الفراغ :
     الفراغ هو.مشكلة خطيرة ربما تؤدي الى انحراف المراهق ولعل كثيراً من المشكلات التي تصدر من المراهق وحتى الطفل من أسبابها الفراغ وهذا ما أكده علماء الاجتماع وعلماء النفس .

شبكة الانترنت :
     تعرض بعض المواقع الإباحية صوراً جنسية وبعضها تعرض عناوين لجذب الشباب والشابات إلى الرذيلة والاتصال بالجنس الآخر حتى الجنس الثالث  يجد ضالته في بعض المواقع الإلكترونية وتجعله يتصل بالجمعيات التي تنادي بالزواج المثيل وهو الزواج  بين الذكر والذكر والأنثى بالأنثى الذي حرمته الأديان السماوية .
 
تعاطي المخدرات :
     وتفيد دراسات الحكومة الفدرالية الأمريكية أن استخدام المخدرات بصورة غير شرعية  أن تسعة في المائة من الفتيان الذين تتراوح أعمارهم بين 12 و17 قد جربوا هذه الآفة في المدارس ، وليس الأمر يتوقف على تعاطي الذكور بل حتى الفتيات قد تعاطين المخدرات ، والدراسات كثيرة من مختلف دول العالم تنبه الأباء والمسئولين بخطر هذه السموم البيضاء ( المخدرات )  على أن المدارس أصبحت بؤرة لتعاطي وانتشار المخدرات والصور الإباحية بعدما كانت قلعة للآداب والفضائل .

دور وسائل الأعلام في تهميش التربية :
     ويواجه هؤلاء الشباب يوميا سيلا من الرسائل الإعلامية - المنافس الحقيقي للمؤسسة التعليمية التي تتوجه إليهم بوصفهم "جماعة مستهلكة" لمختلف السلع المادية والثقافية "الشبابية" التي تصنع في مجملها مظهرا ونمط حياة، والتي وإن كانت تخاطب ذوي القدرة الشرائية المرتفعة من الشباب، إلا أنها سرعان ما تتجلى فى "طبعات شعبية" من ذات السلع لذوي الدخول المحدودة. وهكذا فإن خصخصة المكان وإغلاقه علي القادرين (من الشواطئ إلى الجامعات) يكافئها تعميم لبعض المفردات الثقافية (من لغة الشباب إلى الأغنية).

     إذا ما منيت الأسرة بعدم الانسجام والاضطراب فان أفرادها يصابون بآلام نفسية, واضطرابات عصبية خصوصا الأطفال فإنهم يمنون بفقدان السلوك والانحراف, وقد أظهرت الدراسات والبحوث التربوية الحديثة إن من أهم الأسباب التي تؤدي إلي الانحراف هو اضطراب الأسرة وعدم استقرارها فتنشأ منها الأزمات التي تؤدي إلى انحراف الأولاد ، لذا من اللازم الحفاظ على استقرار الأسرة, وإبعادها عن العوامل القلق والاضطراب حفظاً على الطفل, وصيانة له من الشذوذ والانحراف.

     ولعل من نتائج عدم استقرار الأسرة سواء بانفصال الأبوين بعضهما عن بعض مؤقتاً أو دائماً هي انحراف الأبناء ، ويتمثل هذا الانحراف قيام الطفل بالسرقة أو الاعتداء على الأطفال أو تخريب المرافق العامة والخاصة أو التدخين أو تعاطي المخدرات خاصة إذا كان في سن الأحداث ( 7- دون 18 سنة ) وتسمى هذه الجرائم بجرائم الأحداث .

البيئة :
     المقصود بالبيئة الظروف المحيطة بالطفل مثل علاقاته اجتماعية مع الآخرين وتأثره بأفكارهم ، للبيئة تأثير خاص في الإنسان، فالإنسان كما يقال ابن بيئته، فإن تربى في بيئة تعتز بالفضيلة والأخلاق الحسنة، صار الإنسان يعتز بالفضيلة والأخلاق، وإن عاش في بيئة موبوءة بالسموم الأخلاقية والفكرية، أصبح منحرفاً  فالإنسان يؤثر ويتأثر.

     يقول النبي صلى الله عليه وآله سلم: "كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه" والنفس الإنسانية قابلة للخير والشر، وعندها استعداد للاستقامة أو الانحراف والبيئة هي التي تعزز ذلك وتيسره .

     وقد عد بعض أفراد الأسرة من عوامل البيئة الاجتماعية التي تؤثر على تنشئة الفرد سلباً أو إيجاباً ، و البيئة قد تشمل الأسرة لكن دورها الكبير في التربية جعلها من أهم العوامل المؤثرة في التربية وتأتي العوامل الأخرى بعدها ، لكن يمكن أن تشمل البيئة بمفهومها الواسع رفقاء السوء وأصدقاء الحي والمدرسة ومقاهي الانترنت والأفلام الكرتونية ومسلسلات الإجرام و المغامرات وغيرها من العوامل التي تهيء الأرضية وتجذب الأولاد إلى الانحراف ، وفي المقابل الأندية الرياضية والثقافية والاجتماعية ودور الشباب أو مراكز الشباب والمساجد وغيرها من المؤسسات تمثل أيضا البيئة التي يتأثر بها الشباب وتتكون فيها شخصياتهم .

     إن البيئة الاجتماعية لها دور في تشكيل شخصية الإنسان وجعله يعرف ما المطلوب منه وكيفية التعامل مع الآخرين ، وما هو دوره في أسرته وفي مجتمعه وفي حيه .

     وقد أكد نبي الإسلام على دور البيئة الاجتماعية من خلال حديث :" كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته " ولكن بشروط منها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والقيادة الصالحة والتعاون على الخير و..الخ ، لذا اهتم الإسلام بالمجتمع والأمة من خلال بث الأخلاق الفاضلة ونشر العدالة الاجتماعية من أجل صلاح الأبناء والأفراد كما أكد الإسلام على الصداقة الصالحة لذا قال نبي الإسلام : " المرء على دين خليله وقرينه " ويصادق الطفل أقرانه من خلال البيئة المحيطة به ، وكلما كبر الطفل وبلغ مرحلة المراهقة فأنه يتأثر بالبيئة الخارجية أكثر من تأثره بيئة المنزل نتيجة اكتساب صداقات جديدة وهو الأصدقاء لهم تأثير كبير على المراهق ، فهو يتصرف بتصرفاتهم وما يراه في عالم الأصدقاء فهو الحقيقة وإن خالف رغبات المجتمع أو الأسرة .

     البيئة تلعب دوراً كبيراً في تشكيل شخصية الفرد ، لذا قيل الإنسان نتاج بيئته الاجتماعية ، الإنسان كائن اجتماعي وهو سريع الاتصال بغيره وسريع التقليد ، وتوجد أسباب تجعل الإنسان يتأثر بأفراد مجتمعه  :

- عامل الطبع والتقليد ـ يجب أن يقلد غيره خاصة الإنسان في مرحلتي الطفولة والمراهقة .

- ضعف شخصية الإنسان وعدم تشكيل الأسرة لهذه الشخصية فتتشكل هذه الشخصية خارج المنزل .

- قلة ثقافته وجهله بنفسه وبإمكاناته وقدراته فيصبح أمعة يجري مع كل صوت ويتبع كل ريح .

- يجد المراهق قيوداً ومعوقات أمامه بسبب قيم أسرته وتقاليد المجتمع ، فيرى تقليد رفقائه تحرراً لهذه القيم والتقاليد .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق