الأحد، 22 ديسمبر 2013

كتاب منية المريد مختصر - 1



كتاب منية المريد  ( مختصر)
تأليف / الشيخ زين الدين بن علي العاملي ( الشهيد الثاني ) قدس سره
911-965 هـ

فصل
[ فيما روي عن النبي صلى الله عليه وآله وفي فضل العلم ]

     وأما السنة فهي في ذلك كثيرة تنبو عن الحصر .
     فمنها قول النبي صلى الله عليه وآله : من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين * .
     * " صحيح البخاري " ج 2 / 36 - 37 ، كتاب العلم ، الحديث 70 ، " سنن ابن ماجة " ج 1 / 80 ، المقدمة ، الباب 17 ، الحديث 220 " سنن الترمذي " ج 5 / 28 ، كتاب العلم ( 42 ) ، الباب 1 ، الحديث 2645 ، " سنن الدارمي " ج 2 / 297 ، " جامع بيان العلم وفضله " ج 1 / 25 23 ، " الفقيه والمتفقه " ج 1 / 8 2 ، " مجمع الزوائد " ج 1 / 121 ، كتاب العلم ، 5 - " سنن ابن ماجة " ، ج 1 / 81 ، المقدمة ، الباب 17 ، الحديث 224 ، " جامع بيان العلم وفضله " ج 1 / 8 - 18 ، " مجمع الزوائد " ج 1 / 119 - 120 .
     وهو أيضا في " الكافي " ج 1 / 30 ، كتاب فضل العلم ، باب فرض العلم ، الحديث 1 .

     وقوله صلى الله عليه وآله : طلب العلم فريضة على كل مسلم .

     وقوله صلى الله عليه وآله : من طلب علما فأدركه كتب الله له كفلين من الاجر ، ومن طلب علما فلم يدركه .


فصل
[ في دليل العقل على فضل العلم ]

     وأما دليل العقل فنذكر منه وجهين : أحدهما : أن المعقولات تنقسم إلى موجودة ومعدومة .

     والعقول السليمة تشهد بأن الموجود أشرف من المعدوم ، بل لا شرف للمعدوم أصلا .
     ثم الموجود ينقسم إلى جماد ونام ، والنامي أشرف من الجماد .

     ثم النامي ينقسم إلى حساس وغيره ، والحساس أشرف من غيره .

     ثم الحساس ينقسم إلى عاقل وغير عاقل ، ولا شك أن العاقل أشرف من غيره .

     ثم العاقل ينقسم إلى عالم وجاهل ، ولا شبهة في أن العالم أشرف من الجاهل .

     فتبين بذلك أن العالم أشرف المعقولات والموجودات وهذا أمر يلحق بالواضحات .

والثاني * : أن الامور على أربعة أقسام : قسم يرضاه العقل ، ولا ترضاه الشهوة وقسم عكسه ، وقسم يرضيانه ، وقسم لا يرضيانه ، فالاول : كالامراض والمكاره في الدنيا ، والثاني : المعاصي أجمع ، والثالث : العلم ، والرابع : الجهل .
     * لاحظ " تفسير الرازي " ج 2 / 185 - 186 .

     فمنزل العلم من الجهل بمنزلة الجنة من النار ، فكما أن العقل والشهوة لا يرضيان بالنار ، كذا لا يرضيان بالجهل ، وكما أنهما يرضيان بالجنة ، كذا يرضيان بالعلم ، فمن رضي بالعلم فقد خاص في جنة حاضرة ، و [ من رضي ] بالجهل فقد رضي بنار حاضرة .

     ثم من اختار العلم يقال له بعد الموت : تعودت المقام في الجنة فادخلها .

     فذلك العالم الكامل ، وعالم بالله غير عالم بأمر الله ، فذلك التقي الخائف ، وعالم بأمر الله غير عالم بالله ، فذلك العالم الفاجر " .


الباب الاول
في آداب المعلم والمتعلم وهي ثلاثة أنواع :
النوع الاول : آداب اشتركا فيها .
النوع الثاني : آداب يختص بها المعلم .
النوع الثالث : آداب يختص بها المتعلم .

النوع الاول آداب اشتركا فيها
     هي قسمان : آدابهما في أنفسهما ، وآدابهما في مجلس الدرس .

القسم الاول آدابهما في أنفسهما
     [ الامر الاول ] أول ما يجب عليهما .

إخلاص النية لله تعالى في طلبه وبذله
     فإن مدار الاعمال على النيات ، وبسببها يكون العمل تارة خزفة لا قيمة لها ، وتارة جوهرة لا يعلم قيمتها لعظم قدرها ، وتارة وبال على صاحبه ، مكتوب في ديوان السيئات وإن كان بصورة الواجبات .

     فيجب على كل منهما أن يقصد بعمله وجه الله تعالى وامتثال أمره ، وإصلاح نفسه ، وإرشاد عباده إلى معالم دينه ، ولا يقصد بذلك غرض الدنيا من تحصيل مالأو جاه أو شهرة أو تميز عن الاشباه أو المفاخرة للاقران أو الترفع على الاخوان ، ونحو ذلك من الاغراض الفاسدة التي تثمر الخذلان من الله تعالى وتوجب المقت

     وتفوت الدار الآخرة والثواب الدائم ، فيصير من الاخسرين أعمالا ، الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا * .
     * سورة الكهف ( 18 ) : 103 - 104 .

     والامر الجامع للاخلاص تصفية السر عن ملاحظة ما سوى الله تعالى بالعبادة ، قال الله تعالى : فا عبد الله مخلصا له الدين ألا الله الدين الخالص * ، وقال تعالى : وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء .
     * سورة الزمر ( 39 ) : 2 - 3 .

     إلى قوله : وذلك دين القيمة * ، وقال تعالى : فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا ** قيل : نزلت في من يعمل العمل ، ويحب أن يحمد عليه *** .
     * سورة البينة ( 98 ) : 5 .
     ** سورة الكهف ( 18 ) : 110 .
     *** قاله ابن عباس كما في " إحياء علوم الدين " ج 4 / 321 ، و " تفسير مجمع البيان " ج 6 / 99 .

     وقال تعالى : من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ، ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وماله في الآخرة من نصيب * .
     * سورة الشورى ( 42 ) : 20 .

وقال : من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصليها مذموما مدحورا * .
     * سورة الاسراء ( 17 ) : 18 .



فصل
في أن الغرض من طلب العلم هو العمل

     اعلم أن العلم بمنزلة الشجرة ، والعمل بمنزلة الثمرة ، والغرض من الشجرة المثمرة ليس إلا ثمرتها ، أما شجرتها بدون الاستعمال ، فلا يتعلق بها غرض أصلا ، فإن الانتفاع بها في أي وجه كان ضرب من الثمرة بهذا المعنى .

     وإنما كان الغرض الذاتي من العلم مطلقا العمل ، لان العلوم كلها ترجع إلى أمرين : علم معاملة ، وعلم معرفة .

     فعلم المعاملة هو معرفة الحلال والحرام ونظائرهما من الاحكام ، ومعرفة أخلاق النفس المذمومة والمحمودة ، وكيفية علاجها والفرار منها .

     وعلم المعرفة كالعلم بالله تعالى وصفاته وأسمائه .

     وما عداهما من العلوم إما آلات لهذه العلوم أو يراد بها عمل من الاعمال في الجملة ، كما لا يخفى على من تتبعها .

     وظاهر أن علوم المعاملة لا تراد إلا للعمل ، بل لولا الحاجة إليه لم يكن لها قيمة .

     وحينئذ فنقول * : المحكم للعلوم الشرعية ونحوها ، إذا أهمل تفقد جوارحه وحفظها عن المعاصي ، وإلزامها الطاعات ، وترقيها من الفرائض إلى النوافل ، ومن الواجبات إلى السنن اتكالا على اتصافه بالعلم ، وأنه في نفسه هو المقصود ، مغرور .
     * لاحظ " إحياء علوم الدين " ج 3 / 334 - 335 ، " تنبيه الخواطر " ج 1 / 219 - 221 .

     وأما اللواتي في الحلم : فمن قال لك : إن قلت واحدة سمعت عشرا ، فقل : إن قلت عشرا لم تسمع واحدة ، ومن شتمك فقل له : إن كنت صادقا فيما تقول فأسأل الله أن يغفر لي ، وإن كنت كاذبا فيما تقول فالله أسأل أن يغفر لك ، ومن وعدك بالخنى فعده بالنصيحة والدعاء .

     وأما اللواتي في العلم : فاسأل العلماء ما جهلت ، وإياك أن تسألهم تعنتا وتجربة ، وإياك أن تعمل برأيك شيئا ، وخذ بالاحتياط في جميع ما تجد إليه سبيلا ، واهرب من الفتيا هربك من الاسد ، ولا تجعل رقبتك للناس جسرا .


القسم الثاني آدابهما في درسهما واشتغالهما
هي أمور :
     الاول :
     أن لا يزال كل منهما مجتهدا في الاشتغال قراءة ومطالعة وتعليقا ومباحثة ومذاكرة وفكرا وحفظا وإقراء * وغيرها ، وأن تكون ملازمة الاشتغال بالعلم هي مطلوبه ورأس ماله ، فلا يشتغل بغيره من الامور الدنيوية مع الامكان ، وبدونه يقتصر منه على قدر الضرورة .
     * " إذا قرأ الرجل القرآن والحديث على النسخ ، يقول : أقرأني فلان ، أي حملني على أن أقرأ عليه " ( " لسان العرب " ج 1 / 130 ، كلمة " قرأ " ) .

وليكن بعد قضاء وظيفته من العلم بحسب أوراده ، ومن هنا قيل : أعط العلم كلك يعطك بعضه * .
     * في " محاضرات الادباء " ج 1 / 50 : " قال الخليل : العلم لا يعطيك بعضه حتى تعطيه كلك " ومثله في " إحياء علوم الدين " ج 1 / 44 ، و " ميزان العمل " / 116 ، ونسبه إلى القيل .

     وعن أبي عبد الله عليه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : إن الله عزوجل يقول : تذاكر العلم بين عبادي مما تحيا عليه القلوب الميتة إذا هم انتهوا فيه إلى أمري * .
     * " الكافي " ج 1 / 40 - 41 ، كتاب فضل العلم ، باب سؤال العالم وتذاكره ، الحديث 6 .

     وعن الباقر عليه السلام : رحم الله عبدا أحيا العلم . فقيل : وما إحياؤه ؟ قال : أن يذاكر به أهل الدين والورع * .
     *" الكافي " ج 1 / 41 ، كتاب فضل العلم ، باب سؤال العالم وتذاكره ، الحديث 7 .

     وعنه عليه السلام : تذاكر العلم دراسة ، والدراسة صلاة حسنة * .
     * " الكافي " ج 1 / 41 ، كتاب فضل العلم ، باب سؤال العالم وتذاكره ، الحديث 9 .

     الثاني :
     أن لا يسأل أحدا تعنتا وتعجيزا ، بل سؤال متعلم لله أو معلم له منبه على الخير ، قاصد للارشاد أو الاسترشاد ، فهناك تظهر زبدة التعليم والتعلم وتثمر شجرته ، فأما إذا قصد مجرد المراء والجدل ، وأحب ظهور الفلج والغلبة فإن ذلك يثمر في النفس ملكة ردية وسجية خبيثة ، ومع ذلك يستوجب المقت من الله تعالى .

     وفيه مع ذلك عدة معاصي : كإيذاء المخاطب وتجهيل له وطعن فيه ، وثناء على النفس وتزكية لها ، وهذه كلها ذنوب مؤكدة ، وعيوب منهي عنها في محالها من السنة المطهرة ، وهو مع ذلك مشوش للعيش ، فإنك لا تماري سفيها إلا ويؤذيك ، ولا حليما إلا ويقليك .

     وقد أكد الله سبحانه على لسان نبيه وأئمته عليهم السلام تحريم المراء ، قال النبي صلى الله عليه وآله : لا تمار أخاك ، ولا تمازحة ، ولا تعده موعدا فتخلفه * .
     * " إحياء علوم الدين " ج 2 / 159 ، ج 3 / 100 ، " سنن الترمذي " ج 4 / 359 ، كتاب البر  والصلة ( 28 ) ، الباب 58 ، الحديث 1995 ، " عوالي اللآلي " ج 1 / 190 ، " الاذكار " / 290 .

     وقال صلى الله عليه وآله : ذروا المراء ، فإنه لا تفهم حكمته ، ولا تؤمن فتنته * .
     * " إحياء علوم الدين " ج 3 / 100 .

     وقال صلى الله عليه وآله : من ترك المراء وهو محق بني له بيت في أعلى الجنة ومن ترك المراء وهو مبطل بني له بيت في ربض الجنة * .
     * " إحياء علوم الدين " ج 2 / 158 ، ج 3 / 100 .

     وعن ام سلمة رضي الله عنها ، قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : إن أول ما عهد إلي ربي ، ونهاني عنه - بعد عبادة الاوثان وشرب الخمر - ملاحاة الرجال * .
     * " إحياء علوم الدين " ج 3 / 100 ، ونظيره في " أمالي الصدوق " / 339 ، و " بحار الانوار " ج 2 / 127 ، الحديث 4 .

     وآدابه تنقسم ثلاثة أقسام :
     آدابه في نفسه .
     وآدابه مع طلبته .
     وآدابه في مجلس درسه .


القسم الاول : آدابه في نفسه
     مضافة إلى ما تقدم وهي أمور :
     الاول : أن لا ينتصب للتدريس حتى تكمل أهليته ، ويظهر استحقاقه لذلك على صفحات وجهه ونفحات لسانه ، وتشهد له به صلحاء مشايخه ، ففي الخبر المشهور : المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور 1 .
     * " سنن أبي داود " ج 4 / 300 ، كتاب الادب ، الحديث 4997 ، ، " النهاية " ج 2 / 441 ، وفيه : " بمالا يملك " بدل " بما لم يعط " .
وانظر شرح الحديث في " لسان العرب " ج 1 / 246 - 247 ، " ثوب " و " مجمع الامثال " ج 2 / 150 ويأتي هذا الحديث وبعض الكلام حوله في ص 217 .

     وقال بعض الفضلاء : من تصدر قبل أوانه فقد تصدى لهوانه * .
     * قاله أبو بكر الشبلي الزاهد كما في " تذكرة السامع " / 45 ، ونسب في " طبقات الصوفية " / 584 إلى الخواجه سهل بن محمد الصعلوكي المتوفى في سنة 404 ه‍.
     انظر ترجمته ومصادر ترجمته في " طبقات الصوفية " / 584 - 587 ، و " وفيات الاعيان " ج 2 / 435 - 436 ، و " الاعلام " ج 3 / 143 ، و " معجم المؤلفين " ج 4 / 284 - 285 .

     وقال آخر : من طلب الرئاسة في غير حينه لم يزل في ذل ما بقي * .
     * قاله أبو حنيفة كما في " تذكرة السامع " / 45 .

     وأنشد بعضهم :
لا تطمحن إلى المراتب قبل أن      تتكامل الادوات والاسباب
إن الثمار تمر قبل بلوغها      طعما ، وهن إذا بلغن عذاب *
     * لم أقف على ناظمه .

الثاني * : أن لا يذل العلم فيبذله لغير أهله ويذهب به إلى مكان ينسب إلى من يتعلمه منه ، وإن كان المتعلم كبير القدر ، بل يصون العلم عن ذلك كما صانه السلف ، وأخبارهم في ذلك كثيرة مشهورة مع الخلفاء وغيرهم ** .
     * لاحظ " شرح المهذب " ج 1 / 48 ، و " تذكرة السامع " / 16 ، و " التبيان في آداب حملة القرآن " / 22 .
     ** - منها ما جرى للخليل بن أحمد الفراهيدي مع سليمان بن حبيب والي فارس والاهواز .
     انظر ذلك في " وفيات الاعيان " ج 2 / 245 - 246 ، " تهذيب التهذيب " ج 3 / 163 ، " أمالي القالي " ج 2 / 269 .

     قال الزهري : هوان العلم أن يحمله العالم إلى بيت المتعلم * .
     * " تذكرة السامع " / 16 . والزهري هو أبو بكر محمد بن مسلم بن عبيدالله بن شهاب الزهري المتوفى في سنة 124 ه‍. وقيل غيرها .
     انظر ترجمته ومصادر ترجمته في " وفيات الاعيان " ج 4 / 177 - 179 ، " والاعلام " ج 7 / 97 .

     اللهم إلا أن تدعو إليه ضرورة ، وتقتضيه مصلحه دينية راجحة على مفسدة ابتذاله ، ويحسن فيه نية صالحة ، فلا بأس .

     وما أحسن ما أنشده القاضي أبو الحسن علي بن عبد العزيز الجرجاني * لنفسه :
يقولون لي فيك انقباض وإنما      رأوا رجلا عن موضع الذل أحجما
أرى الناس من داناهم هان عندهم      ومن أكرمته عزة النفس أكرما
وما كل برق لاح لي يستفزني      ولا كل من لاقيت أرضاه منعما
وإني إذا ما فاتني الامر لم أبت      أقلب كفي نحوه متندما
ولم أفض حق العلم إن كان كلما       بدا طمع صيرته لي سلما
إذا قيل : هذا منهل قلت : قد أرى      ولكن نفس الحر تحتمل الظما
ولم ابتذل في خدمة العلم مهجتي      لاخدم من لاقيت لكن لاخدما
ءأسقى به عزا وأسقيه ذلة **      إذا ، فاتباع الجهل قد كان أحزما
ولو أن أهل العلم صانوه صانهم      ولو عظموه في النفوس لعظما
ولكن أذلوه فهان ودنسوا      محياه بالاطماع حتى تجهما ***
     * - وردت ترجمته في " وفيات الاعيان " ج 1 / 278 - 281 ، " طبقات الشافعية " ج 3 / 459 - 462 ، " المنتظم " ج 7 / 221 - 222 ، " يتيمة الدهر " ج 4 / 3 - 26 ، " معجم المؤلفين " ج 7 / 123 .
     ** هذا المصراع في " أدب الدنيا والدين " / 92 و " تذكرة السامع " / 17 ، و " معجم الادباء " ج 14 / 18 ، و " طبقات الشافعية " ج 3 / 416 ، و " يتيمة الدهر " ج 4 / 22 وغيرها هكذا : " أأشقى به غرسا وأجنيه ذلة " .
     *** قال ابن خلكان في " وفيات الاعيان " ج 1 / 279 - بعد ذكر البيت الاول من هذه الابيات - : " هي أبيات طويلة ومشهورة فلا حاجة إلى ذكرها " واعلم أن هذه الاشعار كلها أو بعضها نقلت في كتب متعددة ، وهي : " أدب الدنيا والدين " / 92 ، " معجم الادباء " ج 14 / 17 - 18 ، " طبقات الشافعية " ج 3 / 460 - 461 ، [

     الثالث : أن يكون عاملا بعلمه زيادة على ما تقدم في الامر المشترك ، قال الله تعالى : أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم ... الآية * .
     * سورة البقرة ( 2 ) : 44


باب صفة العلماء :
صدق القول فالعمل وحسن الخلق والتواضع وبذل العلم لمن يطلبه وإظهار الحق من غير مجاملة .


القسم الثاني آداب المعلم مع طلبته

يجمعها أمور :
     الاول : أن يؤدبهم على التدريج بالآداب السنية والشيم المرضية ، ورياضة النفس بالآداب الدينية ، والدقائق الخفية ، ويعودهم الصيانة في جميع أمورهم الكامنة والجلية ، سيما إذا آنس منهم رشدا ، وأول ذلك أن يحرص الطالب على الاخلاص لله تعالى في عمله وسيعه ، ومراقبة الله تعالى في جميع اللحظات ، وأن يكون دائما على ذلك حتى الممات ، ويعرفه أن بذلك ينفتح عليه أبواب المعارف وينشرح صدره ، وينفجر من قلبه ينابيع الحكمة واللطائف ، ويبارك له في حاله وعلمه ، ويوفق للاصابة في قوله وفعله وحكمه ، ويتول عليه الآثار الواردة في ذلك ويضرب له الامثال الدالة على ما هنالك ويزهده في الدنيا ، ويصرفه عن التعلق بها والركون إليها والاغترار بزخرفها ويذكره أنها فانية وأن الآخرة باقية ، والتأهب للباقي والاعراض عن الفاني هو طريق الحازمين ودأب عباد الله الصالحين ، وأنها إنما جعلت ظرفا ومزرعة لاقتناء الكمال ووقنا للعلم والعمل فيها ، وليحرز ثمرته في دار الاقبال بصالح الاعمال .

     الثاني : * أن يرغبهم في العلم ويذكرهم بفضائله وفضائل العلماء ، وأنهم ورثة الانبياء صلى الله عليهم ، وأنهم على منابر من نور يعبظهم ، الانبياء والشهداء ، ونحو ذلك مما ورد في فضائل العلم والعلماء من الآيات والاخبار والاشعار  .
     * لاحظ " شرح المهذب " ج 1 / 51 ، " تذكرة السامع " / 48 - 49 .


القسم الثالث آدابه في درسه

هي أمور :
     الاول : أن لا يخرج إلى الدرس إلى كامل الاهبة ، وما يوجب له الوقار والهيبة في اللباس والهيأة والنظافة في الثوب والبدن ، ويختار له البياض ، فإنه أفضل لباسا * ، ولا يعتني بفاخر الثياب بل بما يوجب الوقار وإقبال القلوب عليه ، كما ورد النص ** به في أئمة المحافل من الاعياد والجمعات وغيرهما .
     * في " الكافي " ج 6 / 446 ، كتاب الزي والتجمل والمروءة ، باب لباس البياض والقطن ، الحديث 4 : " قال أمير المؤمنين عليه السلام : البسوا ثياب القطن ، فإنها لباس رسول الله صلى الله عليه وآله ، وهو لباسنا " .
     ** راجع " الكافي " ج 3 / 421 ، كتاب الصلاة ، باب تهيئة الامام للجمعة والخطبة والانصاف ، الحديث 1 ، وج 3 / 460 ، كتاب الصلاة ، باب صلاة العيدين والخطبة فيهما ، الحديث 3 ، وفي " كتاف من لا يحضره الفقيه " ج 1 / 274 ، الحديث 1256 : " وكان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا كان يوم الجمعة ولم يصب طيبا دعا بشوب مصبوغ يزعفران فرش عليه الماء ثم مسح بيده ثم مسح به وجهه .
[ قال المؤلف : ] ويستحب أن يعتم الرجل يوم الجمعة وأن يلبس أحسن أثوابه وأنظفها ويتطيب فيدهن بأطيب دهنه " .

وقد اشتمل كتاب [ الزي و ] التجمل [ والمروءة ] من كتاب " الكافي " * على الاخبار الصحيحة في هذا الباب بما لا مزيد عليه ، ويخرج التعرض له عن موضوع الرسالة .
     * " الكافي " ج 6 / 438 - 534 ، كتاب الزي والتجمل والمروءة .

وليقصد بذلك تعظيم العلم وتبجيل الشريعة ، وليتطيب ويسرح لحيته ، ويزيل كل ما يشينه ، كان بعض السلف * إذا جاءه الناس لطلب الحديث يغتسل ويتطيب ويلبس ثيابا جددا ، ويضع رداءه ، على رأسه ، ثم يجلس على منصة ** ولا يزال يبخر بالعود حتى يفرغ ، ويقول : أحبأن أعظم حديث رسول الله صلى الله عليه وآله .
     * 4 - هو مالك بن أنس كما في " المحدث الفاصل " / 585 ، " وفيات الاعيان " ج 4 / 135 - 136 ، " تذكرة السامع " / 31 ، " إحياء علوم الدين " ج 1 / 24 .
     وراجع أيضا " مقدمة ابن الصلاح " / 363 ، و " أدب الاملاء والاستملاء " / 27 ، 46 ، و " الخلاصة في أصول الحديث " / 144 .
     ** سورة الاعلى ( 87 ) : 1 ، 3 ، 9 ، 19 .

     الثاني : * أن يدعو عند خروجه مرياد للدرس بالدعاء المروي عن النبي صلى الله عليه وآله : أللهم إني أعوذ بك أن أضل أو أضل ، أو أزل أو أزل ، أو أظلم أو أظلم ، أو أجهل أو يجهل علي ، عز جارك ، وجل ثناؤك ، ولا إله غيرك .
     * الدعاء مروي في " سنن الترمذي " ج 5 / 528 كتاب الدعوات ( 45 ) ، الباب 80 ، الحديث 3502 ، " أدب الاملاء والاستملاء " / 107 ، " عيون الاخبار " ج 2 / 279 - 280 ، " الاذكار " / 265 - 266 ، " الجامع الصغير " ج 1 / 59 ، حرف الهمزة ، " عوالي اللآلي " ج 1 / 159 - 160 ، " مفاتيح الجنان " / 164 - 165 ، في أعمال الليلة الخامسة عشرة من شهر شعبان .

 الحادي عشر : أن يتحرى تفهيم الدرس بأيسر الطرق وأعذب ما يمكنه من الالفاظ ، مترسلا مبينا موضحا مقدما ما ينبغي تقديمه ، مؤخرا مابنبغي تأخيره ، مرتبا من المقدمات ما يتوقف عليها تحقيق المحل ، واقفا في موضع الوقف ، موصلا في موضع الوصل ، مكررا ما يشكل من معايه وألفاظه مع حاجة الحاضرين أو بعضهم إليه ، وإذا فرغ من تقرير المسألة سكت قليلا حتى يتكلم من في نفسه كلام عليه .

ولا يذكر * في الدرس شبهة في الدين ويؤخر الجواب عنها إلى درس آخر ، بل يذكرهما جميعا أو يؤخرهما جميعا ، سيما إذا كان الدرس يجمع الخاص والعام ، ومن يحتمل أن لا يعود إلى ذلك المقام ، فتقع الشبهة في نفسه ولا يتفق له جوابها ، فيصير سببا في فتنته .
     * لاحظ " تذكرة السامع " / 38 .


هناك تعليق واحد:

  1. كتاب مفيد جداً رغم أني قرأت المختصر منه ، وفيه التفاتات مهمة ولطائف رائعة لا يستغني الطالب عنها.
    أسأل الله الرحمة لكاتبه والموفقية لناقله و الهداية لكل مستفيد من كتاب منية المريد.

    ردحذف